الجدل الدائر في الشارع العربي حول تعيين أول قاضية شرعية، يذكرني بالانشقاق الذي حدث في صفوف الحركة الإسلامية في منتصف سنوات التسعينات على خلفية المشاركة في انتخابات الكنيست والفتاوى التي رافقت الجدل آنذاك وحتى أنه قد تم استيراد بعضها من الأردن والذي يجيز المشاركة في انتخابات الكنيست. 

وفي حينه، نبَّه الكثيرون، من مغبّة تسخير الدين والتشريع السماوي لخدمة أجندة ومصالح دنيوية، وحذروا من مخاطر اللجوء إلى أدلة وحجج مختلف عليها وضعيفة للأستناد اليها بهدف "تبييض" وتمرير مسألة ما تخدم الأجندة الفئوية كما يفعل مشايخ البلاط في قصور زعامات الدول العربية وذلك من منطلق الغاية تبرر الفتوى.

ففي مسألة تعيين (وأقصد كلمة تعيين) القاضية الشرعية الأولى في المجتمع المسلم في البلاد، هناء خطيب، وبمباركة وزيرة القضاء، أييلت شاكيد، وقفنا امام فتاوى متناقضة، ففي الوقت الذي باركت فيه الحركة الإسلامية الجنوبية هذا التعيين معتمدة على جواز التعيين محتجين بموقف المذهب الحنفي، حيث جاء في بيانها على لسان رئيسها الشيخ حماد ابو دعيبس، أن اختيار قاضية شرعية ، "يمثل تجسيدا عمليا لموقف الشريعة الاسلامية التي ارتقت بمكانة المرأة المسلمة وحقها الشرعي في تولي مناصب القضاء والإفتاء والاجتهاد الشرعي، على خطى امهات المؤمنين والصحابيات."


ومقابل هذه الفتوى أصدر المجلس الإسلامي للافتاء بيانًا بيَّن فيه موقفه من هذه المسألة، وجاء فيه " ..ان الحقيقة عند تحقيق وتحرير مذهب الحنفية وجدنا انهم يحرمون توليتها ولا يجوزون كما ينقل عنهم خطأ ولكنهم يقولون بنفاذ حكمها وصحته فيما لو قضت، لذا ليس من الدقة أن ننسب الجواز للمذهب الحنفي بشكل مطلق والادق أن ينسب لابن حزم.".

وجاء في البيان ايضًا " ..والحقيقة أنّ المسألة أعمق وأبعد من جواز تعيين قاضية أو عدم الجواز، ذلك أنّه لو أنّ الذين قرروا في المسألة أهل علم شرعي يعتد باجتهادهم، فالأمر يبقى في رحم الخلاف الفقهي، ولكن الاشكال في الأمر أنّ الذي أملى وقرر وجود قاضية معظمهم ليس أهل العلم الشرعي، وإنّما هي وزيرة غير مسلمة أصلا، فهل تملك هذه الوزيرة الجرأة أن تعين قاضية في المحاكم " اليهودية " ؟ فلا يعقل ولا يتصور أن يقرر تعيين قاضي أصلاً رجلاً كان أو امرأة من ليس بأهل علم شرعي، فضلا عن أن يكونوا غير مسلمين ..".

وما يثير الاستغراب التغيير الذي حصل في أروقة ادارة المحاكم الشرعية التي عارضت وبشدة في السابق فكرة تعيين امرأة في منصب قاضية شرعية، وقبل حوالي عام واحد كانت مواجهة ساخنة في مقابلة اذاعية بين فضيلة الشيخ عبد السلام سمارة وعضو الكنيست عيساوي فريج، أبدى خلالها القاضي سمارة معارضته الشديدة لفكرة تعيين امرأة كقاضية شرعية..والسؤال ماذا حدث وما هي التطورات التي طرأت من وراء الكواليس وادت بالقاضي سمارة لتغيير رأيه من النقيض إلى النقيض..؟ وهل هذا التغيير قد حصل نتيجة ضغوطات من قبل مكتب وزيرة القضاء وشخصيات ذات تأثير كبير في الحركة الإسلامية الجنوبية؟

وبهذا الصدد لا بد من ألتنويه إلى أن جريدة "هآرتس" قد ذكرت في خبر على صفحاتها نشر في السابع والعشرين من الشهر الماضي، بأن الوزيرة شاكيد قد اشادت بالقاضي سمارة بعد حصوله على تعيين دائم كرئيس محكمة الإستئناف الشرعية، وقالت انه مرجعية دينية، وشخصية مقبولة تحظى بالاحترام لدى الجمهور العربي. واشارت هآرتس إلى أن أحد الاسباب التي دفعت الوزيرة بترقية القاضي سمارة هو رغبتها بالعمل معه لتعيين أمراة بمنصب قاضية كأول امراة تتولى هذا المنصب بتاريخ القضاء الشرعي في البلاد.  

والسؤال لماذا اقدمت الوزيرة على هذه الخطوة المثيرة للجدل لدى جمهور المسلمين، بينما لم تخرج هذه فكرة تعيين قاضية يهودية في المحاكم الدينية اليهودية إلى حيز التنفيذ بسبب اعتراض حزب "شاس" الديني، اعتراضاً جازماً ولم يسمحوا لأحد أن يتدخل في شؤونهم الدينية الخاصة؟!
وهل ما رأته القيادات الدينية اليهودية مرفوضًا هناك، تراه القيادات الدينية والسياسية العربية المسلمة مقبولًا وصوابًا هنا..؟!!!!
(للموضوع تتمة)