
لا تضيف الداعشية في مشهد حرق الطيار الاردني معاذ الكساسبة الذي احتل شاشات العالم سوى مزيدا من الكراهية للاسلام، ولا ندري كيف تتحرك الداعشية من اليابان الى استراليا مرورا بالسويد عطفا على فرنسا ونهاية بحرق الطيار معاذ الكساسبة .
في حرق الكساسبة ، ويجب ان نعترف هناك شئ يفوق "الداعشية"، فهي وبكونها شئ "ما "لا نعرف"زمانه" ولا "مكانه"،, بكونها حسب التوصيفات "اخطر تنظيم في العالم"، وهو ما يجعل من "الحرب" عليه بدون زمان ولا مكان ولا رحمة، فإنها تصل حد الاسطورة التي لا يمكن التعامل معها بأساليب عادية.خلف حرق الكساسبة تختفي صور الجرائم والابادة الاخرى، ولا يصبح أية أهمية لها، لانها بعيدة عن الشاشة، وما عادت تهم احد اصلا، فيما يتحول "مشهد الحرق" المريع الى الصورة الاكثر اهمية واشغالا، هكذا تساهم الداعشية في اخفاء حجم ابادة شعب وابرياء في المكان الذي يدعي انه يحارب لاجلهم.
من يعتقد ان داعش تحارب "حرب الاسلام" فعليه مراجعة حساباته، ومن يعتقد ان حرق الكساسبة والذبح بالسكاكين عبر الشاشة هي "جهاد" فعليه مراجعة معتقداته، ما يحدث مؤخرا هو ذبح للاسلام من الوريد الى الوريد وحرق لقيمه بلا رحمة، ولا يجوز السكوت عنها تحت اية حجة او مسمى.في معركة الدفاع عن الاسلام وقيمه الحضارية ليس هناك حلول وسط، وليس هناك مجاملات، لقد اختطفت الداعشية الاسلام في رابعة النهار، وصار المسلمون ضحاياها قبل غيرهم، وخففت من حدة الصراع مع مشروع يستهدف دولا وشعوبا، حتى صارت امريكا بنظر الشعوب المسكينة "ارحم" عليها من الداعشية.بكل الحسابات الداعشية يخسر المسلمون والعرب اولا، ويربح غيرهم، الشعب الاردني ينتفض، ضد من؟
يجب ان نعترف ان الداعشية تحولت الى "حالة" ولا حاجة هنا لذكر الاسماء والتفاصيل، والفتاوى، لان الداعشية لا تحتاج ذلك، فهي تبرر لنفسها ما تريد، وتجيز كذلك وتفتي ان لزم الامر، وهي بخلاف ما يعتقد البعض ليست حالة تعيش على الهامش، انها الحالة التي ولدت من الفوضى، وما زالت الحالة فوضى ، فإن داعش ستبقى بيننا.داعش ليست "سلفية جهادية" هامشية، وهي ليست "الاسلام المتطرف"، لانه لا اسلام متطرف، داعش خطفت الاسلام من اهله تحت طائلة الفوضى والخلافات واخترقت الوعي حتى ادمت به.فهي ليست حركة ولا حزبا ولا مجموعة، لا تسكن في أي مكان، ولا يمكن توقعها، وعليه فان مواجهتها كذلك، وهذا بالضبط ما تحتاجه المرحلة، وتحتاجه امريكا والغرب، وانظمة البغاء.
تخيلوا بشار الاسد بدون داعش، وتخيلوا اكثر عبد الفتاح السياسي بدون داعش، والمالكي وملالي ايران، داعش هي مبرر المرحلة، هي المرجعية التي يتم الاعتماد عليها في تبرير الابادة، وفي الابادة عادة لا يدقق احد في التفاصيل، ولانها اكثر حضورا في الاعلام من أي شئ قد يخطر على بال احد، فانها تصبح تباعا "شئ فوق العادة"، لا يمكن "هزيمته" وايضا لا يمكن ان تتوقع ماذا سيفعل في المرة القادمة.
في حرق الكساسبة هناك ما هو اكثر من الحرق البشع نفسه، انه حالة جديدة تكتسب اهتماما جديدا، بعد ان لم يعد الذبح بالسكين مهم "اعلاميا"، وهو تعبير عن بشاعة "الحالة الداعشية"، التي قد تلجأ الى اساليب اكثر بشاعة في المرة القادمة، لانه لا"حدود" لها ، ولان لا شئ يمكن ان ينقذ المجرمون من جرائمهم الا "حالة داعشية".كل مجرم يحتاج الى "داعشية" تبرر افعاله، لم ينتبه احد انه في اليوم الذي احرق به الكساسبة حرقت قنابل بشار عشرات السوريين، المصيبة ان هذه الافعال صارت تبرر على اساس "ارهاب داعش"، لا اهمية لها، من حيث انها اصبحت مسألة "اعلامية عادية"، الاعلام يبحث عن الاثارة، عن رفع السقف،عن الغرابة،وداعش توفر له ذلك بحسب ما تقتضي الحاجة،التي تبقيها في العناوين.
يحتاج بشار الاسد الى داعش، ويحتاج عبد الفتاح السيسي الى داعش، ويحتاج العراق الى داعش، ومثله الحوثيون في اليمن، وملالي ايران, كل حالة ودواعشها، وكل مرحلة كذلك، يحتاج كل نظام في ازمة الى داعش، لتصبح الشغل الشاغل للناس.يحتاج تحويل المقاومة الى "ارهاب" الى داعش ايضا، لتختلط الامور، وتزيد من حالة البلبلة والحيرة، هكذا حدث في العراق وهكذا يحدث الآن في سوريا.لم تبدأ الداعشية مؤخرا، لقد انطلقت منذ سنوات كمشروع للتدمير، ويافطة لاستباحة الدول والشعوب العربية والاسلامية، وهي للتاريخ تشبه قصة الاسلحة غير تقليدية التي احتلت العراق بسببها،,وانطلت على الناس اكبر كذبة في التاريخ، مثلما انطلت عليهم اكاذيب 11 ايلول وتفجير الابراج، ومعها القاعدة.
"الداعشية" هي حالة مخترقة، ولا يهم من يقف خلفها، الفقر ام الاستبداد، ام امريكا او حتى ايران والنظام السوري، هذه غير مهمة بتاتا، لكن بالتأكيد ان كلهم مستفيدون من "الداعشية"، ولا نحتاج هنا للخوض في التآمر والمؤامرت، فهذه تعفينا من الخوض في التفاصيل, والتغاضي عن الحقائق.انقذت "الداعشية" كثيرون، وصارت البوابة التي يدخل منها كل من يبحث عن "اسباب" و"تبريرات" للابادة والقتل والتقسيم والتفكيك والهيمنة كذلك.الداعشية "فتحت" الحرب في كل مكان، وهي تنوي الوصول الى كل مكان، حتى تعيد الاصطفافات العالمية من جديد، وحتى يتحول المجرم الى ضحية، بل واكثر من ذلك، لا يمكن ان يكون هناك اسوأ من حالة حرق الكسسابة وردة الفعل الشعبية في الاردن مثل ان تمنح للمجرم اسبابا "منطقية" للدفاع عن الضحية، واقصد هنا امريكا والغرب.
هل لاحظتم حالة الاصطفاف الجديدة التي تبنى مؤخرا بين الشعوب الفقيرة والمسكينة والغرب، الداعشية هي البوابة التي تدخل منها امريكا والغرب "حليفا " للشعوب، لان كلهم "ضحايا الداعشية"، وهذا اخطر ما يحدث الآن.وبخلاف ما يعتقد البعض حول مقولة "الاسلام المتطرف"، الوقت كفيل بان يسقط "ال" التعريف عن المتطرف ليصبح الشعار "الاسلام متطرف"، وهذا في الحقيقة ما يتم الآن، عبر عملية ضخ اعلامي منظم، وتضليل قذر، سيطالب المسلمون في لحظة ما باثبات "اعتدالهم" كما في حالة 11 سبتمبر، وبكل اسف فان قابلية الهجوم على الاسلام صارت موضة عربية كذلك، من يشاهد الاعلام المصري والسوري والتونسي يعرف عماذا نتحدث.
ان كان ولا بد
جيدة تلك الاستنكارات والرفض التي صدرت بشأن حرق الكساسبة، جريمة من النوع الصاعق.
جيدة كل المقولات التي نسمعها حول براءة افعال داعش من الاسلام، وجيد ان تكون المواقف واضحة بلا تلعثم، بل رائع.حرق الكساسبة جريمة بكل المقاييس، جيد ذلك الحرص على الاسلام، وعلى ما تلحقه هذه الافعال بالاسلام والمسلمين.واذا كان لا بد، فجيد بل وممتاز لو كان هناك استنكار للجرائم التي يرتكبها النظام السوري بحق الابرياء، ومثله ايران وما تفعله في سوريا والعراق، فالجريمة لا تجزأ، ومن واجب كل من يرفض الجرائم البشعة ان لا يتعامل معها بمعياريين، مثلما صمت كثيرون عن جرائم الحرق في رابعة في القاهرة التي ارتكبتها عصابات السيسي.نعرف ان هناك من يرفض جرائم بشار الاسد والسيسي، لكنهم لاعتبارات وحسابات ضيقة وانتهازية لم يفعلوا ذلك، لان احزابهم، منقسمة فيما بينها حول الموقف من هذه الانظمة، وهنا وحتى لا افهم صحيح, اقصد الجبهة والتجمع تحديدا.
04/02/2015 19:08