منذ سقوط فلسطين التاريخية تحت الإحتلال البريطاني ثم الإسرائيلي والعمل مستمر على اسرلة المجتمع العربي الفلسطيني فكريا واجتماعيا،والعمل على سلخ العرب الفلسطينيين على إختلاف طوائفهم وتوجهاتهم ، عن عمقهم العربي والإسلامي بكل الوسائل الممكنة سواء كان بالترغيب أو بالترهيب ، أو من خلال خلق بيئة إجتماعية تعمل على ترسيخ الأمر الواقع، وجعله واقعا محسوسا ومطلوبا ومدعوما بحيث يُسَهّل الحياة في مكان ما على المجتمع الفلسطيني ، ويجعله جحيما لا يُطاق في مكان آخر.

لقد عملت إسرائيل على الإحاطة الأمنية عند عرب الداخل الفلسطيني ، بحيث تحكمت بكل حرية ودون مساءلة بحياة ما يسمى بعرب الخط الأخضر، وكون هؤلاء يخضعون للقانون الإسرائيلي بواقع وجود دولة ومؤسسات ، تم ارغامهم وإخضاعهم للفكر الصهيوني ، في التعليم ، بحيث وضعت المناهج وفق قلم رجل الأمن في وزارة التربية والتعليم، بما يتناسب مع روح الديموقراطية الإسرائيلية، القائمة على الأسرلة والتهويد ، التي وضع حجر الأساس فيها الرواد الأوائل زمن الهجرة اليهودية الأولى والثانية والرابعة والخامسة، إلى أن تمكنت الحركة الصهيونية من إقامة دولة لليهود ، والعمل على فرض القومية اليهودية بكل مافيها من افكار خدمت ولا زالت تخدم الفكر الصهيوني المتطرف ، في محاولة من أجل خلق جيل جديد جاء بعد النكبة ، منخلعٌ عن تاريخه الوطني العربي الإسلامي ، يلبي حاجات اليهود الدينية المتطرفة ، وتخدم كأقلية تعيش من أجل البقاء في ظل إسترضاء الفكر الصهيوني وادواته وبالرغم من الفترة الزمنية الطويلة الممارسة في تطبيق هذا الفكر المتطرف ، إلا أنها فشلت في فرض الأمر الواقع وهو وجود دولة لليهود لها الحق في رأيها أن تفرض اجنداتها القومية، وكل ما يتطلب ذلك من فرض قوانين عنصرية تخدم إستمرار بقاءها على هذه الأرض المغتصبة، وكان جيل النكبة مقاوما بكل معنى الكلمة.

في المقلب الآخر وهو في منطقة الضفة الغربية والقدس ، حيث العمل الحثيث من أجل فرض ثقافة الإستسلام في غزة والضفة الغربية والقدس والتي كانت تخضع للمنهاج الأردني في الضفة والقدس ، والمنهاج المصري في غزة ، وكان المهم في هذه المثلث المحتل عام 1967 ، هو الضفة الغربية والقدس على وجه الخصوص، حيث عملت القيادات الأمنية الإسرائيلية على تحييد القدس من معادلة المساومة السياسية في المفاوضات المستمرة منذ عام 1967، والقيام بكل الطرق التي من شأنها تحويل القدس الشرقية بكل مكوناتها الثقافية والدينية والجغرافية نحو الفكر الجيوسياسي الصهيوني ، وتذويب الديموغرافية العربية الفلسطينية الإسلامية والمسيحية ، داخل منطوق التلمود، الباحث عن تهويد القدس سياسيا وديموغرافيا ومجتمعيا، وهذا يتطلب ، تطويق القدس بالمستعمرات وفصلها عن الضفة الغربية ، وقطع كل ذراع يحول دون تهويد القدس وإقامة الهيكل المزعوم. 

ومن أجل نجاح خطة التهويد، كان لابد من ربط سكان القدس العرب بالسلطة الإسرائيلية ، سواء من خلال منح الهويات الإسرائيلية، وإشراكهم في تذويت مغانم الأسرلة والإنصياع لقوانين إسرائيل بموجب حق المواطنة الإسرائيلية، وما يمنح ذلك من إمتيازات في العمل والتنقل والسفر ، بصورة تميزهم عن سكان الضفة الغربية وغزة.

ثم تم التركيز على العمل الدؤوب من أجل السيطرة على العملية التربوية ، والاجتهاد في إسقاط المنهاج الأردني ، كمنهاج للتعليم في القدس ، وضرب أسس التعليم في هذا المنهاج ، الذي شهدت له كل مؤسسات البحث الأمريكية والأوروبية ، بجديته وصدقيته واهدافه التربوية العالية المستوى، والتي فرضت إحترامها، على أعلى وأهم مؤسسات التعليم العالمية في مختلف قارات العالم .

لقد إجتهدت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية،بكل مراكزها البحثية الظاهرة والباطنة منها ، على إظهار المنهاج إلاردني على أنه منهاج متخلف عن ركب المسيرة التعليمية ، وإن المنهاج الإسرائيلي هو صاحب الفرص الحقيقية للنجاح والتقدم ، ليس للطالب فقط وإنما للمعلم المهدور حقه المالي في رأيهم، وهذا جعل اللعب على مداعبة المشاعر الاقتصادية للمعلمين والمدراء هو الاولوية، من أجل تأمين الأدوات المناصرة لفكر الإحتلال الصهيوني ثم وضع حلوى النجاح السهل أمام الطلاب وعوائلهم إن هم تبنوا المنهاج الإسرائيلي، والذي هو في واقع الأمر من أكثر المناهج إنحطاطا بسبب عدم وجود رؤية مهنية محايدة ، تتبنى فكرا مهنيا ثابتا وراسخا، بالإضافة إلى أنه منهاج تحكمه الإعتبارات السياسية ، وتحركه الأحزاب المسيطرة على المشهد السياسي ، والتي تقوم بفرض اجنداتها السياسية التي تحقق مصالحها واستمرار وجودها.

لقد عملت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على دمج مدارس القدس في التوجيه المهني تحت مسمى تطوير التعليم في الأوساط العربية المقدسية ، وللوهلة الأولى العنوان جذاب ، فلا بأس بالتطوير ، ولكن السم في تفاصيل هذا التطوير ، حيث تبدأ عملية الصيد داخل صفوف المدرسة الواحدة أو بين المدارس المتعددة هناك.

هذا أوجد مجموعة من المعلمين والمدراء الذين قبلوا بحسن نية أو سوء نية الإنخراط في الخطط الأمنية تحت مسمى تطوير التعليم ، وبالتالي مدارس تعمل باكملها ضمن هذه المكائد السياسية ، والتي دقّت إسفين في وحدة الشارع المقدسي المقاوم لأي خطة من أجل أسرلة القدس ثم تهويدها. 

هذه المؤامرة الصهيونية التي تم المباشرة فيها منذ زمن ليس قريب وتحت نظر السلطة الفلسطينية، هي في حقيقة الأمر لا تختلف عن زرع مستوطنة ابو غنيم وشبيهاتها في القدس ، وبالتالي فإن العاملين المقدسيين في هذه المشاريع ، والساكتين من أجهزة السلطة الفلسطينية على مايحدث في جهاز التربية والتعليم في القدس ، عليهم أن يعلموا أنهم بذلك لا يختلفون عن الجرافات وشركات المقاولات والأجهزة الأمنية والمتطرفين الذي يعملون على سرقة القدس في وضح النهار عبر بناء المستوطنات ، بل هم أدوات مدفوعة الثمن من أجل هدم القدس وعلى رأسها الأقصى الشريف.

وهنا اجدد دق الجرس مع من سبقوني في ذلك، واطالب مؤسسات السلطة الإنتباه إلى حجم المؤامرة التي تلتف حول اعناقنا جميعا من خلال الإستيلاء على جهاز التعليم في القدس وتنحيته جانبا كنقطة ارتكاز لحماية مشروع النضال الوطني الفلسطيني وحقوق الفلسطينيين في تراثهم وتاريخهم .

كما هو النداء العاجل وصرخة عربية فلسطينية إلى القيادة الأردنية الهاشمية ، من أجل تدارك الأمر، وتامين كل وسيلة تعمل على ديمومة النضال الاردني الفلسطيني ، من أجل حفظ هوية القدس الدينية والعروبية ، من خلال دعم المؤسسات التعليمية ماديا وتقنيا ومنهجيا .

أرجو أن لا نصل إلى مرحلة نتحسس بها أثار الديار ، كما تحسس مجنون ليلى ديارها .

(والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).