
تُعرّف الاستراتيجية على أنها خطة طويلة الأمد للوصول إلى هدف ما ، وهذا يحتاج بالطبع إلى المهارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى العسكرية .
ومن هنا قامت الدول العظمى ثم الصغرى، ببناء إستراتيجياتها وفق مصالحها التي تعمل على تحقيقها والتي تحتاج ربما للأساليب القذرة من أجل تحقيقها.
فالإستراتيجية الأمريكية ومنذ الحرب العالمية الأولى قامت على ركيزة مهمة وهي يجب أن تكون القوة الأقوى في عالم غير آمن ومتعدد القوى والأيدولوجيات ، وهذه القوة دعمتها قوة إقتصادية هائلة ، انتجت قوة عسكرية عملاقة ، جعلت منها شرطي العالم الذي يضرب بالعصا ودون أن يُشق له غبار ، بل وترضخ له باقي القوى سواء كانت في أوروبا أو آسيا ، ممثلتان بالاتحاد الأوروبي من جهة ، وروسيا والصين من جهة أخرى.
لذلك تتم تعبئة العالم على أن أمريكا هي قوة الخير في العالم بالرغم من كل العيوب التي وجدت في الكون واجتمعت في بلاد العم سام وهو لقب حرص مروجوه عليه ، كناية عن الرعاية الأبوية العالمية والمتمثلة بفعل الخير مقابل تكلفة محتملة قد تكون سياسية من خلال التضحية بأنظمة صنعتها على عينها كما حدث مع شاه إيران ، وقد تكون عسكرية وفقدن آلاف الجنود بين قتيل وأسير وجريح ، كما حدث في فيتنام وأفغانستان والعراق، أو إقتصادية وما يترتب على مغامراتها من تكبيد وتحميل الإقتصاد الأمريكي ديون هائلة وصلت إلى عشرات التريليونات من الدولارات ، والتي سيدفعها المواطن الأمريكي من مُدّخراته الوهمية ، التي بطبيعتها مرهونة لإقتصاد فاشل قام على العربدة الدولية دون أن تجد لها رادع ، وظل أنظمة قمعية اوجدتها الدولة الخفية العالمية ، تعمل على رفد الكاوبوي الأمريكي ، من خلال رهن ثروات بلاد تلك الأنظمة بكل مافيها من أجل الرجل الأبيض المُخلّص للعالم من شروره الداخلية.
وهذا بالطبع أصبح مع الزمن إستراتيجية الواقع الذي لا يتغير وعلى الجميع التسليم به.
وهناك الاستراتيجية الأوروبية التي قامت على مفهوم أن الإتحاد الأوروبي أحد اهم الفاعلين في السياسة الدولية ، وبالتالي رأت ضرورة الإنخراط في بناء إستراتيجيات ثنائية ، سواء مع الخليج أو المغرب العربي ، أو الصين وروسيا ، أو القارة الهندية ، وهي تقوم على حفظ أمن أوروبا السياسي والاجتماعي والإقتصادي ، ولكن هذه الاستراتيجيات أصبحت مقيدة بمصالح أمريكا في المنطقة ، وهي مصالح لها الحق الأول في تحقيقها قبل أن تتحقق مصالح أوروبا، ذلك أنها مهما تطورت المنظومة الأوروبية، تبقى مرهونة بالمصالح الأمريكية ولو على حساب مصالحها الخاصة ، وما يجري في أوكرانيا اليوم خير مثال على ذلك ، وبالتالي إستراتيجية أوروبا هي جزء لا يتجزأ من الواقع الأمريكي .
الإستراتيجيتين الصينية والروسية، تقومان على أهمية أن العالم متعدد الأقطاب ، ولا يجوز أن يكون الكون محكوم بالقطب الواحد ، وفي سبيل ذلك كان يتم بناء إستراتيجية مشتركة صينية..روسية ، قائمة على أن هناك عدو إستراتيجي وهو أمريكا الذي يتمسك بالإرث الإمبراطوري القديم الموروث من الإمبراطوريات السابقة القديمة وعلى رأسها الإمبراطوريات الإنجليزية والعثمانية والفرنسية والإسترو هنغارية ، بالإضافة إلى الموروث من دول قومية مثل المانيا النازية وإيطاليا الفاشية.
وبالتالي تم سحب المحتوى الصيني الروسي، إلى إستراتيجية الواقع الأمريكي الذي لن يسمح بقيام إستراتيجية روسية صينية ، تعمل سياسيا وإقتصاديا وعسكريا، على إفراغ أمريكا من محتواها الإستراتيجي ، والذي سيطر على أوروبا وأبقاها دائرة في فلك أمريكا ونزواتها المُدمّرة لكل أرض حلّت بها.
الاستراتيجية الإسرائيلية هي العصب المحرك للإستراتيجية الأمريكية والراعي لها ، عبر أدواتها في واشنطن المتمثلة باللوبي الصهيوني عماد منظمة إيباك الراعية للمشروع الصهيوني الذي غذى وجودها واستمرارها منذ القرن التاسع عشر ثم ظهور التيار القومي برئاسة ليو بنسكر وبناء إستراتيجية الدفع نحو راعٍ جديد وفي هذه الحالة (أمريكا الفتيّة) تكون مظلة للمشروع الصهيوني في المنطقة من خلال قيام الدولة الصهيونية واستمرار وجودها ، في ظل أفول وهج الإمبراطورية البريطانية .
هذا الواقع الإستراتيجي شكل ما يُسمى إستراتيجية الواقع في اسرائيل، وقبوله دون نقاش ولو علا الصوت أحيانا .
الواقع السياسي الإسرائيلي الحديث ، لم يكن جديدا في فرض محتواه أمام العالم ، سواء من خلال المغامرات العسكرية والمذابح المنظمة في القرى الفلسطينية ، أو من خلال الحكم عبر أدوات يمينية متطرفة بعيدة عن الذوق الأوروبي ،وإن كان هذا الذوق يحمل تاريخا دمويا أثناء حكمه الإستعماري في المنطقة العربية وسلسلة المذابح الممنهجة التي أرتكبت من أجل طمس هوية الشعوب المُستعمرة سواء كان ذلك في أوروبا نفسها كما حدث في الحربين العالميتين وصولا إلى الحرب الأوكرانية الروسية ، أو من خلال المجازر التي تم ارتكابها في سوريا والعراق والجزائر وباقي الدول الإفريقية .
إستراتيجية إسرائيل الواقعية ، تشكل ثمرة واقع عالمي حمله القتلة على مر العصور ، وبالتالي هي الإبن المدلل لكل إستراتيجيات الواقع التي سبقتها في العالم ، بل وأصبحت ام الواقع في بناء فرض ماهو مقبول مرفوض ، والقضية قضية وقت في إصلاح ذات البين بين الإبن وآبائه الواقعيين في العالم، فلا داعي للإستغراب ولا الإستهجان ، من وحشية الواقع الإستراتيجي لإسرائيل .
العرب في ظل تزاحم الإخوة الأحباب عالميا ، لا يملكون أي إستراتيجية سوى تلك التي انبثقت من الأجندات الإسرائيلية أولا ثم ماهو منبثقا عنها عالميا، فلذلك لا يملكون سوى صدى اسيادهم من الماسونيين وحكمائهم الذين يُديرون الواقع السياسي الإستراتيجي التوراتي الإنجلكاني في المنطقة.
لاغالب إلا الله.
07/02/2023 12:19