
ما أكثر خطوطنا الحمراء الكلامية التي نعيشها في حياتنا اليومية.
هي خطوط نضعها لأنفسنا وننطلق بها نحو غيرنا ، كعلامة مميزة في واقعنا المرير الذي لا نستطيع أن نُغيّر فيه شيئا ذو بال.
أصبح الخط الأحمر في حياتنا هو جزء من ادبيات إستمرارنا ، فهناك خط للزوجة وآخر للأولاد والبنات ، وثالث للتعاملات الإجتماعية .
بل أصبح اللون الأحمر من تأثيره العجيب علينا ، قميصا نلبسه لإظهار شبوبيتنا ، وأحمر شفاه صارخ يستصرخ في ذكورتنا شبابها ، وحذاء نكمل به اناقتنا، وراية فيها تسيل دماء دوابنا، وفي نفس الوقت تحمل مبادئ الحادنا ، أو ربما تنذر عدونا بشجاعتنا وعزيمتنا ، وعُلُوّ شأنها.
هذا اللون أيضا هو جرحنا النازف في أوطاننا ، وساديتنا في تعذيب معارضينا، وهو شرف العذارء في دخلتها ، وهو الدم السائل في عروقنا، وهو أيضا شرابٌُ باردٌ مُمَيّزٌ في حُرقَةِ صيفنا القاسي.
اللون الأحمر الذي أصبح جزءا من تاريخ وموروث حضارتنا وعاداتنا وتقاليدنا ، أيضا أصبح لغة السياسة والهروب ، عِوضا من أن يكون لغة الكياسة والحروب.
هذا حالنا اليوم ، يبدأ الأمر بإعلان إستباحة مقدساتنا فعلاً لا قولا ، فيكون الرد المقابل إياك أن تفعلها وإلا تجاوزت الخط الأحمر نحو الهاوية، التي لا يعلم نهايتها إلا الله .
ولكن النتيجة ما هي ؟
تجاوز العدو الخط الأحمر الذي كنا نُرهبُ به عدوّ الله وعدونا ، والاستمرار في خرقه ، وأصبحت تحذيراتنا هي:
لا يمكن الإستمرار في غض النظر عن تجاوز الخطوط الحمراء .
تحول خطابنا من تحذير تجاوز الخطّ الأحمر الواحد إلى خطوط عديدة ومتعددة وجميعها تحمل اللون الأحمر .
التغير في شكل التحذير ، هو في الحقيقة تحول نحو الخط الأخضر ، لمن تم تحذيره ، وأننا لا نملك من أمرنا شيء فعيثوا فساد كيفما أردتم وشاءت مشيئة حاخاماتكم في دولتكم الظاهرة ، وفي عمق تكوين حقدكم.
بن غفير لم يهدد بل قال سأدخل المسجد الأقصى شاء من شاء وأبى من أبى وكذلك فعلها شارون وغيره من عتاولة الصهاينة .
وفي المقابل السلطة وحماس والفصائل المتعددة الألوان والمذاقات ، تزمجر وتهدد باللون الأحمر وعدم تجاوزه، وكذلك فعل العالم الخارجي، أنظمةً عربية كانت أو إسلاميّةً أو دولية تأثرت مصالحها قليلا بمثل هذه الوقائع والأحداث.
فماذا كانت النتيجة؟
سقوط الأحمر وبكل ما يحمل من معانٍ وتصورات، وكذلك كل من يحمل هذا اللون .
دخل بن غفير المسجد الأقصى وعاث فيه وقاحةً ، وكذلك الضفة الغربية والمثلث والنقب وعلى رأس ذلك الكنيست والحكومة وأدق مافيها المؤسسات الأمنية حتى أصبح وزيرها الآمر والناهي فيها، وهو يعلم جيدا أنّه تلقى الضوء الأخضر في كل أعماله العدوانية ،و ليس من الجمهور فقط ، وإنما من السلطة الفلسطينية البائسة التي أخذت تبكي على أعتاب الأمم المتحدة ، تستجدي منها خطّا أحمر يسندها، ومن فصائل لم يرى منها بن غفير إلا صوتا وجعجعةً ولم يرى طحنا يُشعلُ ناراً فيهدم حصنا ، ويطحن قوما ، بل كان أحمرهم مقصورا في الدعاء ، بالويل والثبور له ولغيره إن نفّذ تهديده ، فكانت النتيجة أننا ننتظر الزمان المناسب والمكان المناسب ، وإيران المناسبة ومحور الإستسلام الممانع والمناسب.
يالها من ثورة حتى النصر يقودها عملاء حملوا راية الغرب تارةً وراية الشرق تارةً أخرى ، وراية الحنكة السياسية والتكتيك السياسي تارات متعددة.
لا بد من إسقاط كلمة الخط الأحمر من قاموس نضالنا ، وليكن الأحمر عندنا ممارسة على أرض الواقع ، لا أحاديث منمّقة ، أوكلمات ربما لو قالها عمر بن الخطاب أو خالد بن الوليد لكان وقعها أكثر صدى وأعظم أثرا .
فاستبشروا بالله الذي بشّرنا بالنصر وليس بالخط الأحمر .
فلاغالب إلا الله.
14/01/2023 21:56