طبيعة العلاقة مع اسرائيل ، كانت ولا زالت، يحددها طبيعة الواقع الفلسطيني المرهون بالواقع العربي والإقليمي والدولي .

وبناء على هذه المعادلات المعقدة ،تقوم القيادة الفلسطينية سواء وهي تعيش في المنفى وفق شعار التحرير من البحر الى النهر ، او كسلطة فلسطينية تمثل إستمرارا للخوار العربي وأجنداته المتقلبة والذي يرسم سياساتها أجندات دولية سياسية وإستخبارية ، ويقوم على تنفيذها القائمون على أمر الشعوب العربية وفق دقة متناهية ، وهذا ما يتطلبه الإستمرار في حكم الشعوب وتوريث هذا الحكم ، مهما كانت صفة هذا الحكم ملكيا أم جمهوريا أم فصائليا .

إن كان الأمر يسير على هذا النحو ، فمن المفروض على هذه القيادات العربية وخصوصا الأردنية والفلسطينية منها، أن تعمل على تغيير (قواعد الإشتباك مع إسرائيل) والتي كانت تراعي إتفاقيات وادي عربة وأوسلو ، اللتان رسمتا طريق السلام مع إسرائيل وفق إيجاد حل (عادل و شامل ) للقضية الفلسطينية ، وهي إتفاقيات مدعومة دوليا عبر القوى العظمى .

إلا أنّ حقيقة الواقع اليوم ، قد تغير فإسرائيل تضرب اليوم بعرض الحائط إتفاقية وادي عربة ، بل وتقتحم الخطوط الحمراء في هذه الإتفاقية ، وهي قضية الوصاية الهاشمية على المقدسات والتي اسقطها رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت عندما لم يعترف بأي أوامر على الأماكن المقدسة خارج إطار (السيادة الإسرائيلية)على القدس، وهذا يعني سحب البساط الذي تقف عليه الأردن في أن يكون لها صوت في أي تسوية نهائية مستقبلية ، بالأضافة الى رفع الغطاء الذي طالما تدثرت به الحكومات الأردنية المتعاقبة امام عواصف المعارضة الشعبية والبرلمانية لإتفاقية وادي عربة والمُطالبة بإنهاء هذه الإتفاقية وطرد السفير الإسرائيلي من عمان.

في المقلب الآخر ، هناك السلطة الفلسطينية التي وقعت على إتفاقية أوسلو عام 1993، والتي بدأت بغزة وأريحا اولا ، على أن يتم حل كافة المسائل العالقة من قضايا القدس وحق العودة واللاجئين والحدود النهائية خلال عشر سنوات من توقيع تلك الإتفاقية، وكل ذلك بغطاء دولي ممتد عبر القوى العظمى في الشرق والغرب ، الذي راهن على الوقت الذي يتم من خلاله، إغراق السوق بالمال وتليين الشعب الفلسطيني والقبول بالإرادة الإسرائيلية والتصور الإسرائيلي لفكرة الإستقرار الإقتصادي ونظرية الحكم الذاتي ، بشكل منمق لسياسة روابط القرى التي سادت في الضفة الغربية خلال ثمانينات القرن الماضي .

بالطبع الواقع اليوم داخل الساحة الفلسطينية يفرض خارطة طريق جديدة ، سواء فيما يخص ثوابت سياسة الأمن القومي الأردني ، القائم على الترابط اللوجستي السياسي والإجتماعي والإقتصادي والديني مع فلسطين، أو فيما يخص مدى مشروعية بقاء السلطة الفلسطينية بأبجدياتها المرتبطة بإتفاقية اوسلو وما تبع ذلك من سياسات التنسيق الأمني المرتبطة بأجهزة دايتون وتحت إشراف أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والعربية .  

بالمنطق القائم على مفهوم المصلحة السياسية ، يجب أن تقوم المصلحة على إعادة رسم قواعد الإشتباك ، في ظل تغوّل المؤسسة الصهيونية الرسمية المتطرفة على المشروع الوطني الفلسطيني ، وضرب أبسط قواعد التعامل الإنساني ، مع الإنسان الفلسطيني ،ومحاولة ذبحه من الوريد الى الوريد ، كما رأينا من قتل الأبرياء اثناء مهماتهم الإنسانية كما حدث مؤخرا من قتل للصحافية الأمريكية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة ، وما جرى في جنازتها من إمتهان لحرمة الاموات ، أو عملية الذبح المنظم لابناء الشعب الفلسطيني سواء كانوا أكادميين ، أو شيوخ او نساء او اطفال ، وكذلك ماتقوم به قوات الإحتلال في الضفة من هدم للبيوت وتهجير للناس ومطاردة لكل صاحب كلمة حرة وموقف اصيل.

يجب ان تقوم قواعد الإشتباك اليوم على ان الحل السلمي لا يمكن أن يتم إن قُدّرَ له ذلك ، إلا بربط معادلة القوة التي تحمل بعضا من ادواتها الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة وعرب الداخل ، وفق إمكانيات كل طرف من هذه الأطراف وأدواته المتعددة ، سياسيا وإقتصاديا وعسكريا.

لايمكن الإستمرار في معالجة القضية ورواسبها وفق النموذج القديم الذي إستنفذ أدواته وطاقاته ، واصبح من الواجب العقائدي والوطني والعشائري والنخوة والكرامة والشرف وكل هذه المصطلحات وغيرها، ان تكون القوة الى جانب غصن الزيتون ، وتفعيلها لدرجة إعادة التفكير في أروقة المؤسسة الصهيونية ، وداعميها عالميا ، أنه لا إستقرار ما دام العرب لم يحصلوا على حقوقهم التاريخية ، والتي كفلتها لهم كل الشرائع السماوية ، وحقوق الدفاع عن النفس وفي الحالة الفلسطينية ، نفْس الفلسطينيين مرتبطة بفلسطين من أقصاها الى اقصاها ومن بحرها الى نهرها بكل مناخاتها .

لابد من تغيير قواعد النضال والتوقف عن التوسل للدول العظمى وإستجداء الأعطيات هنا وهناك ، ووقف بيع المواقف السياسية المجانية ، وإعادة توحيد الرؤى والرواية الفلسطينية التي يستشهد من اجلها الآلاف من ابناء الشعب الفلسطيني البطل.

إنّ إعادة رسم قواعد الإشتباك يتطلب ، توحيد الوطن في الضفة وغزة ، والعمل على إنهاء الفشل السياسي بتغيير القائمين عليه بكل شخوصهم التي إرتبطت بمنافع إقتصادية كبرى ، غذّتها الأطماع الفصائلية والمصالح الآنية ،والتي عملت دون إكتراث بان هناك شعب يحمل قضية منذ اكثر من مئة عام ، وقدم خلال مسيرته عشرات الآلاف من الشهداء ، والجرحى والمعتقلين .

الحل لفلسطين وضعه الله بين أيدينا ، وهو الإرتباط بالله عز وجل والإعداد الصادق لجغرافية مرتبطة بنا إرتباط عقيدة منذ خلق الله السموات والأرض والى أن يرث الله الأرض وما عليها ، ثم بذل الغالي والرخيص في سبيل هذا الوطن الغالي.

نحن نعيش على أبواب النصر العظيم 
فاستبشروا خيرا بنصر من الله وفتحٍ قريب.

لاغالب إلا الله..