
ها نحن اليوم نتابع ما يجري بين روسيا وأوكرانيا من حرب في المصالح والإستراتيجيات وتجاذبها وإثبات وجود بين دب مخدوع بتاريخه المبتور ، وامرأة عجوز قد أكل عليها الدهر وشرب ، ولا زالت تعيش عصر الإمبراطوريات الإستعمارية ، وأصبحت دول تسير في ذيل القائمة ، وأخرى تعتقد بوحدانيتها القطبية وتفرض على الجميع أن تلعب وفق مصلحتها الأممية ، وتجعل الجميع ينتظرون إشارتها وتلك التي تراقب من وراء السور العظيم ، وتترقب ساعة الإنقضاض على فريستها المختبئة على خطوات من مرأى بصرها.
ينتصر العالم بين يوم وليلة لبلد صنعوه بأيديهم جميعا ، نعم جميعا ..
فخورتشوف الإتحاد السوفيتي الأوكراني الاصل هو من صنع أوكرانيا في عشرينات القرن العشرين وحدّد حدودها ، وغورباتشوف هو من اعلن سقوط الإتحاد السوفياتي وحرّر جمهورياتها وعلى رأسها أوكرانيا .
وفي المقابل الغرب المتحالف مع أمريكا هو من اسقط النظام المتحالف في أوكرانيا مع موسكو أمام نظر يلتسين و بوتين ، ووضع مهرج تلفزيوني من أصول يهودية لكي ينقل أوكرانيا من كفة الإستعباد الى كفة الإستعباد ، وخلال تلك النقلة ، وتبادل المواقع على رقعة الشطرنج كان الملكان هناك يحركان البيادق ويشعلان الحرائق على تلك الرقعة وكان العالم ينتفض من اجل أوكرانيا ، التي خلال إسبوعين ذرفت دموع الإستنجاد ، فذرف العالم بالمقابل وفي لمح البرق طاقاته السياسية والعسكرية غير المسبوقة من اجل تلك الوجوه البيضاء والعيون الزرقاء.
فكانت القرارات الأممية والعقوبات غير المسبوقة والشديدة بحق روسيا ، وإستنفار العالم المتمدن من اجل إمداد أوكرانيا بالمال والسلاح والجنود والمرتزقة ، لانها وبالرغم من وجود جيشها السوفياتي القديم وطائراتها وأسلحتها ومفاعلاتها النووية وأراضيها الخصبة بالمياه والقمح والذرة واليورانيوم ومصانع قطع السيارات وإمتداد أراضيها الشاسع واتصالها مع العالم الحر على حدودها دون اسوار وعوائق ، وإطلالتها على البحر الأسود
هي الضعيفة الفقيرة التي لا بد من دعم صمودها وإيواء لاجيئيها ومحاصرة ذلك الدب الذي يمتهن كرامتها ويستبيح إستقلالها الوطني ويشرد شعبها .
كل ذلك يحصل فقط في إسبوعين ، كانت اوكرانيا قبلها ولسنوات طويلة تنعم بالإستقرار السياسي والوطني والإقتصادي ، سواء كانت بلشفية ام إمبريالية .
فماذا نقول فلسطين التي تم إحتلالها منذ عام 1917 من قِبلِ بريطانيا الإمبراطورية العظمى ، والتي دفعتها بإصرار الى براثن الصهاينة ، الذين إستكملوا عصر الإستبداد الصليبي بالعنصرية الصهيونية ، وأخذوا يضربون فلسطين بكل أدوات الهمجية والقتل الممنهج والتدمير والتشريد والتشتيت ، ومحاولة طمس الهوية العربية الإسلامية الفلسطينية ، بكل اساليب القهر والإستبداد والديكتاتورية الفظة ، والعالم المتمدن المتحضر المتلفع بحقوق الإنسان في القارة العجوز وعند الكاوبوي الأمريكي ، ومنذ اكثر من مائة عام لا زال يراقب بكلمات مسمومة وشعارات إنسانية ديموقراطيةٍ زائفة ، هذا المشهد العنصري البغيض ، الذي يمارسه المحتل لأرض فلسطين التاريخية ، بالرغم من ان فلسطين لا تملك واحد بالمئة مما تملكه المدللة أوكرانيا ، والتي كانت دباباتها تجول في بغداد وتحتل طرقاتها وحاراتها وتفعل بالشعب العراقي ، ما يفعله الروسي اليوم على أرضها ارض الدلال لكل الأقطاب من موسكو الى بيجين ثم واشنطن وباقي عواصم الغرب المتلطي تحت عباءة أمريكا.
نعم عاشت فلسطين عربيةً أبيّة حُرّة ، ثابتةً بكرامتها وإقدام شعبها .
نعم عاشت فلسطين رغم خيانة من أؤتمنوا عليها ، وحاصرها تحت مسميات الدولة والأخوّة بأعلامها المختلفة.
عاشت فلسطين ولم تقل يوماً آه ، بالرغم من محاولات تجريدها من إنسانيتها وبسمتها وشرفها وكرامتها ونخوتها.
عاشت فلسطين بالرغم ممن تخلى عنها بإتفاقيات تمت في عتمة الليل البهيم ، وذلك بتضحيات أبنائها وشلال دماء مناضليها ، ومعاناة أسراها ، ودموع الأيتام والثكالى فيها ، وصمود اهلها عند هدم كل بيت ، وطلقة كل غدرٍ ، وصرخة كل طفلٍ في عتمة ليلٍ نهض من نومه وبندقية المستعمر التي إقتحمت أحلامه البريئة فوق رأسه.
لله دَرُّكِ يا فلسطين ، كم كنت قُوّةُ عظمى بإرادتك وشموخك وثباتك ودماء ابنائك التي يُشمُّ رائحتها في كل المحافل والمؤتمرات والندوات .
تلك الدماء التي تستصرخ ذاتها فتجدد حلمها ، وتنبعث في كل ثانية من جديد ، لتطرق رؤوس المحتلين وأعوانهم من اصحاب الشعر الأشقر والعيون الزرقاء ، ولتصرُخ بأعلى صوتها ...
انا هنا ما بقيَ السهل والساحل ، والجبل والطير الطائر ، والنفس الصاعد ، وزغرودة شهيدٍ ، ودموع فاقدةٍ ، وصوت الآذان ودق الناقوس ومابين إعتكاف عابدٍ في مسجده وكنيسته و صومعته ، ووراء بندقيته في ليلة باردةٍ ، وصيحة أمٍّ في ليلة إنجابها .
فاستبشروا خيرا
ففلسطين ستعيش رغم إرادتهم وحقدهم ووحشيتهم .
عاشت فلسطين.
09/03/2022 08:03