
الولوج إلى عالم الغناء يحتاج إلى أدوات قتالية كثيرة أبرزها الصوت واللحن والكلمة والتوزيع والتصوير والإخراج وإذا توافرت هذه الأدوات يصعب الانزلاق نحو الهاوية.... والفنان محمد عساف تجاوز مرحلة الانزلاق متسلحا بالقدرات القتالية السابقة الذكر وبما أنه تمكن من ضبط هذه الأدوات القتالية تجرأ كثيراً متجاوزاً الكثير من المعيقات ليصل إلى مرحلة الوعي الشعبي وما أغنية أنا العاشق المصرية سوى إحدى علامات التمرد العسافي ليكون فارسا بل وامبراطورا للأغنية العربية برمتها.......وبموازاة ذلك هناك شخصيات أدخلها هذا العساف إلى جانب أدواته القتالية وهؤلاء الأشخاص عقائديون مؤمنون بفكره وفلسفته الفنية أو أن صح بمدرسته الإبداعية وثوابتها وفلسفتها .
إن تعريج عساف على الاغنيه المصرية الخفيفة ليس عيبا ولا انتقاصا من احترافيته فهناك نجوم عمالقة سبقته إلى هذا اللون أمثال هاني شاكر وكاظم الساهر ومحمد منير والقائمة تطول وكأني بعساف لديه الإيمان المطلق والذي لا يتزعزع بحتمية غناء كافة الألوان واللهجات وهذا طبعا له ما يبرره من حيث البناء الفكري والثقافي والاجتماعي.
بفعل النجاحات المتتالية لاغنياته أصبح ايدلوجيا متوازناً ومنظم التفكير ومتناسق مع مبدأ الرسالة والرؤية والمنهج... والأغرب أن هذا العساف يدافع عن فكرته الغنائية باستمرار وهنا تكمن البطولة والجرأة والخوض في المجهول الفني وكأن عساف يرى المشهد واضحاً بلا غموض أو تعقيد يرى الحب ويغني له ويرى في المقابل الغدر ويغني له معرجا على خيانة الأصدقاء وعلى الكثير من الثنائيات المتقابلة في الحياة، كالفقد والحضور، والموت والحياة، والشجاعة والجبن، والوضوح الناصع الشفاف، والغموض المظلم، والأسئلة والإجابات، والمنفى والتجذر في الوطن، والخيانة والوفاء والإخلاص، والسمو والسقوط، وهو بهذا يخدم فكرة الأغنية العربية بكل أطيافها ويعزز جمالية لونها وما أغنية أنا العاشق المصرية سوى تعزيز جديد لاسئلة فلسفية تتصارع في ذاكرته ووجدانه ويظل السؤال الملازم لوعيه هل الإنسان ام الفكرة هو الدافع لغناء كافة الألوان.
عساف يكره البؤس التاريخي فجاءت شخصيات أغنياته بعيدة عن القلق وأحيانا تحاكي الالغاز....شخصياته تخلف وراءها الكثير من الأسئلة والأسرار وولاده صعوبة لتفسيرها ويراودني الكثير من الاحاسيس أنها شخصيات غنائية جمعت بين الذاتي والموضوعي، والفردي والجماعي، وبين الواقعي والخيالي، وبين الشاهد والغائب، وبين الحي والأسطوري، أنها حشد من تناقضات الحياة لتبقي المستمع متابعا إلى الماورائيات، ما وراء هدف عساف ؟؟؟؟؟ هل الهدف إدخال البهجة إلى نفوس المستمعين ام الارتقاء بمستوى المستمع إلى الأعلى كما يفعل كاظم الساهر .....مهما يكن يبقى عساف مطربا ونجما يرتقي ويصعد بكافة الألوان ...يصعد بنجاح وما أغنية أنا العاشق المصرية الخفيفة الا إثبات جديد على قدرته على التبؤر في دواخلنا.
08/02/2022 19:24 687