من المعروف أن اللوجستية تعني بشكل عام ، عملية تنظيم معقدة، الهدف منها تأمين الهدف المرسوم في ظل ظروف بالغة التعقيد ، والأقوال في ذلك كثيرة.

ولكن نجد ان هذا المفهوم أخذ يتجسد في مجالات متعددة بل ويتطور الى درجة أن الأفعال السيئة ، أصبحت علوما يتم تدريسها ، حتى أخذت حظّا وافرا في حياتنا العملية والمتقدمة في كل مجالات الحياة.

فالخيانة التي تحمل بين ثناياها القُبح والتي تثير الإشمئزاز عند سماعها ، غدَتْ منهاجاً يتم تداوله من القمة الى القاع ، مع تحديث مستمر لأحدث مستجدات الخيانة وطرق تحقيقها.

فمنذ آلاف السنين والخيانة موجودة ولكن ضمن الكهوف والمغاور ، لما تشكله من عار على صاحبها بل وحتى سابع جد لهذا الخائن .

ولكننا نعيش اليوم الخيانة بأقبح صورها ، والمجتمع الموحد الصائم والقائم والقارئ للقرآن ، هو الذي يساهم في تعميمها و تأصيلها و تتميمها و تموينها بإرادة ذاتية ، أو بإرادة فوقية ، ولكن مسيرة الخيانة مستمرة.

أول هذه الخيانة عندما قمنا بخيانة عهد الله الينا ، فقمنا بالإستجابة لأوامر الله شكليا و تأنقا ، وليس إيمانا و إعتقادا ، فلم يمنعنا ذلك من النظر الى المحرمات وارتكاب الفواحش ، وأكل الربا ، وغض الطرف عن سلوك الأبناء والبنات والزوجات ، والتجرّأ على الخوض في كل ما حرّم الله ، فكانت خيانة الأمانة تنتقل من الأعضاء الى الأفراد ثم المجتمع و الأوطان.

هذه الخيانات من أجل إستمرارها تحتاج الى دعم لوجستي ، إستطاع الغرب أن يزودنا بأدواته من أجهزة إتصال وأجهزة مرئية ومسموعة ومحسوسة و مقروءة ، بل وبأصحاب الخبرات الذين يساعدون بإنشاء المصانع و رفدها بالمواد الخام ، التي تزود بالطّاقات المؤهَلّة بكل ما هو ساقط أخلاقي و منحرف عن الطبيعة البشرية .

وهناك تأطير الخيانة الوطنية ، بحيث يصبح التفاوض مع العدو الذي يستبيح الأرض والعرض والشرف ، والتنازل عن الثوابت من أجل الحصول على الفتات من الفتات و سارية علَم و رصاصة معدومة الشرف ومُصلى من أجل حلقات من التنويم ، كل ذلك يجعله عملا ثوريا نِضاليا قوميا ، بل ويخرج علينا القادة وهم يهتفون بتحقيق إنجازات عظيمة يتوجها الحصول على لقب سيادة الرئيس او سمُو الأمير أو جلالة الملك وإحدى عشر طلقة مدفعية على باب مقاطعته او قصره أو حارته.

ولكي يستمر هؤلاء الخونة القدوة ، لا بد من تزويدهم بما يضمن إستمرارهم ونموّهم بكل أدوات الخيانة ، من كوادر يتم تجهيزهم في أفضل جامعات العالم المدنية ، التي تقوم بتخريج أصحاب الجلالة والسيادة والسمو والمعالي ، وذلك حسب متعهد شهادة الخيانة ، فإن كان غربيا فهم يحملون شعار هارفرد وكامبردج و أوكسفورد وغيرها من ذلك الغرب المقيت ، وإن كان المتعهد شَرقياً فالشهادات من الصين الى موسكو .
وهؤلاء يتم تلقينهم بأن مصالح الغرب والشرق هي أولوية ، يجب تحقيقها من على عروشهم التي سيجلسون عليها ، وهم بذلك سيُساهمون بِرِفعَة بلادهم ورخاء شعوبهم ، وهذه الأفكار والمعتقدات يجب تلقينها للشعوب في المدارس والأسواق والمساجد والديوانيات والإعلام ، وهنا يتعهد المُتعهدون من راسمي السياسات الخيانية في العالم ، على تزويد القادة ، بكل وسيلة إعلامية من أفلام بذيئة وقصص رخيصة ومجلات فاضحة تتكلم بلغات البلاد إما مترجمة ، او عبر أبناء البلاد ممن تربوا على أسس الخيانة و شربوا ماءها و ترعرعوا في جاهها.

وفي المقلب الآخر من الخيانة اللوجستية ، يكون تأهيل القيادة العسكرية جنبا الى جنب مع القيادات السياسية والإجتماعية والفكرية والدينية من أصحاب العمائم واللِّحى ورفدها بكل ما من شانه حرب الشعوب المتمردة على الخيانة العالمية والتي من شانها أن تعكر صفوَ القادة في تحقيق ما تم تربيتهم عليه من أخلاق خِيانية ، يجب أن تكون مع سنوات الحكم الطويلة ، هي الأخلاق الحميدة التي يجب تربية الأجيال عليها ، وعكس ذلك هو سيكون بطبيعة الحال غريب عن بيئته و مجتمعه ، وهو بالتالي الخائن بعينه.

ما وصلنا اليه حتى يومنا الحالي من بيع للأوطان و تطبيعات مع العدو المحتل ، وسقوط لمنظومة القيم والمبادئ والثوابت ، هو بطبيعة كنتاج طبيعي للخيانة اللوجستية المستمرة كدروس في المدرسة و البيت والمسجد والملعب والسوق و الحارة و بإصرار من عقود طويلة، من أجل بناء حضارة الخيانة العالمية بل والكونية حتى تصبح ثقافة العصر و أسلوباً للتمدُّن .

لكن يجب ان لا ننسى أن مكر المخلوق فوقه مكر الخالق ، الذي تعهد بنصرة القلة المؤمنة بنصر الله ، التي تمر اليوم بالتمحيص الرباني ، الذي سيؤهلها لضرب قاعدة الخون في عروشهم و جنودهم و منابعهم وإمداداتهم ، على قاعدة عهد الله ثم عهد نبي الأمة ، ثم العهدة العُمرية وكل ذلك ضمن اللوجستية الربانية المقرون بوعد الله الصادق في قوله تعالى:
(وعدَ الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ولَيُمَكّنَنّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم ولَيُبَدّلَنّهُم من بعد خوفهم أمناً يعبُدُونَني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)
النور- 55

فاستبشروا خيرا 
لا غالب إلا الله