التوثيق والأدب والرسالة التربوية
كتاب ام الريحان رحلة داخل الأوطان" للمربية للأديبة فتحية صرصور"
في مركز عبد الله الحوراني، وفي آخر أيام انعقاد المعرض الدولي الخمسين للكتاب بالقاهرة، عند الثالثة والنصف من بعد عصر الثلاثاء الموافق الخامس من فبراير 2019م التف رواد صالون نون الأدبي من مثقفي غزة وأدباءها حول كتاب "أم الريحان جنة الرحمن "رحلة داخل الأوطان" للأستاذة فتحية إبراهيم صرصور.
افتتحت الأستاذة فتحية اللقاء مرحبة بالحضور، شاكرة اهتمامهم بهذه اللقاءات التي يقيمها صالون نون الأدبي والتي تهدف لنشر المعرفة وتسليط الضوء على كتب جديدة، ثم قالت: إنه لشرف لي أن يكون أحد كتبي هو الزاد على مائدتنا الأدبية لهذا اليوم، كتاب "أم الريحان جنة الرحمن "رحلة داخل الأوطان" الذي أتلمس من خلاله تعريف الأجيال على وطن عزيز، وبقعة غالية على قلوبنا في الجناح الآخر من الوطن، كما إنه يسعدني ويزيدني دعما ويدفعني لمزيد من الأعمال أن يكون أستاذنا شيخ الكتاب الروائيين غريب عسقلاني هو من يتحدث ويقدم لكتابي هذا لكن لي في البدء كلمة.
عدد زاد عن العشرين هي الكتب التي قضيت وقتا غير يسير في كتابتها؛ كان لكل كتاب نكهته وأسلوب كتابته الخاص به؛ تارة كنت أتبع المنهج الأسلوبي التحليلي؛ كما في خصائص أسلوب شعر فدوى وكتب أخرى، وتارة الدراسة التحليلية عبر القواعد الأكاديمية كما في قصة الخليل إبراهيم وغيرها، وتارة أخرى كنت أعتمد التوثيق منهجا كما في سلسلة حكايات الأجداد للأحفاد
أما الكتابين الأحدث فلم أضع نفسي خلالهما في قوالب تحكم كتابتي، وأطلقت لنفسي العنان في الكتابة؛ وذلك لخصوصية الموضوع:
ففي كتاب (فدوى طوقان وأنا) لم أخضع لأي من هذه المناهج التي لا تتناسب مع البوح الذي أردته
كذلك كتاب (أم الريحان جنة الرحمن) الذي نحن بصدده اليوم لم أنسبه لأي من الأجناس الأدبية؛ فلم أسمه قصة، ولا رواية، وإن كان كما ذكرت في مقدمة الكتاب أنه توليفة،لذا فقد جعلته نصا مفتوحا يضعه المتلقي كلٌّ حسب الزاوية التي تتبع خيوطها لمحة من جو الكتابة.
تنقلت في بساتين الكتابة متنسمة عبير رياحينها، فكتبت في أنماط عدة؛ شعرا ونثرا وأغنية، كتبت المقطوعة، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا، إضافة لكتب عديدة في الدراسات الأدبية والنقدية، وأخرى توثيقية.
اليوم وفي ضوء التماهي مع الطفل وكتاباته، واستكمالا لرسالة حملتها على عاتقي لتعزيز انتماء الأجيال الواعدة للوطن، ولأني مهمومة في الكتابة عن الوطن، والكتابة للأطفال،أردت أن أجعل للفتيان من كتاباتي نصيبا؛ فبعد أن كتبت للأطفال، القصيدة والأغنية وما يربو عن مائتي قصة، أجدني أتوجه للفتيان، فأكتب لهم لونا جديدا، أجمعه كضفيرة بين الأدب والجغرافيا والحوار، في توليفة، أحسبها فنية؛ موثقة لجزء عزيز على قلوبنا من أرض فلسطين، جامعة بين شطري الوطن – غزة والضفة الفلسطينية -، مرورا بعمقه وكبده المقتطع من أجسادنا وأرواحنا – المحتل في العام 1948م-، راسمة دروب الوطن بنياط القلب، فلابد أن يعرف الجيل الذي فتح عينيه ولم ير من الوطن سوى غزة، ووعى على حرمانه من الوصول للقدس ومدن ضفتنا، وفي المقابل فتياننا في الجزء الآخر من الوطن في الضفة، نشأ على أنه بإمكانه الوصول لأي بقعة في العالم، في الوقت الذي لا يسمح له بدخول غزة والقدس، هؤلاء جميعا لابد أن يعرفوا أن الوطن لا يكتمل إلا بهم ومعهم.
فجمعت في الرحلة بين طلاب من نابلس وطلاب من القدس، فيما كانت والدة أحد الطلاب من غزة وقد سلطت الضوء على معاناتها وحرمانها من زيارة أهلها وحضور فرح شقيقها بسبب المنع والحصار، عليّ أكون قدمت لهم بعضا مما يحتاجونه في حياتهم المستقبلية، من المعلومة والفكرة.
ثم قالت: لماذا الحديث عن المحمية؟
وقفت كثيرا ممعنة التفكير في ماذا أكتب للفتيان، كان توجهي بداية في الكتابة عن القرى المدمرة من أرض الوطن السليب أتحدث عنها وأعرِّف بها لترسو في ذاكرة الأجيال.
وبعد البحث والتفكير رأيت أن أتناول إحدى محميات الوطن، قرأت عن عدد منها، فكانت محمية أم الريحان هي الخيار لما بها من مفارقات، فهي تجمع بين الجمال والخضرة والوجه الحسن، مع الألم الذي تحدثه المستوطنات المنغرسة في خاصرتها، وعلى دروب من يفكر في الوصول إليها، ثم هي في منطقة انطلقت منها الثورات، وأنجبت الثوار؛ بدءا من زائرها السوري عز الدين القسام وحتى محمود طوالبة وأحمد جرار مرورا بمئات الشهداء، لقد حرصت على التأكيد على هويتنا واستحقاقنا لهذه الأرض.
وعن جو العمل قالت:
عبر الخرائط الكثيرة لمحافظة جنين والمدن والقرى التابعة لها استطعت أن أحدد خط السير من نابلس حيث منطلق الرحلة إلى أم الريحان، وكانت معرفتي بذلك بنسبة لا تزيد عن 40%.
ولتأكيد المعلومة لجأت إلى صديقتي السيدة أم عماد أبو زهرة وزوجها الأستاذ صبحي عبد العزيز أبو زهرة (والديّ الشهيد الصحفي عماد أبو زهرة) الذي رسم لي خطوط السير من نقطة البداية في نابلس وحتى المحمية.
ثم بدأت أبحث في مواقع التواصل عن الصفحة الرسمية لكل قرية أو مدينة سيمرّ عنها الزائر للمحمية، كنت أطلب منهم تزويدي بمعلومات عن منطقة سكناهم، البعض استجاب ورحب، والبعض أحالني لمن هو أكثر معرفة منه، فتداخلت المعلومة الجغرافية، مع المشاهد الإنسانية والواقع المعاش لشعبنا.
بداية وتأكيدا على أهمية التميز اخترت الطلاب المتميزين من الصف التاسع ليقوموا بهذه الرحلة الاستكشافية حبَّا بالمعرفة في إجازة انتقالية بين مرحلتين تعليميتين:
* لم أنس في كتابي هذا التأكيد على القيم التربوية فالطلاب يخبرون معلمهم بالفكرة، وعندما وجدوا منه التشجيع أكدوا على أن ذلك لن يكون إلا بموافقة الأهل
* حرصت على الإشادة بأدب الطلاب في الحديث مع الآخرين وطريقة الاستفسار من معلمهم عن أي معلومة، والاعتذار عند المقاطعة
* نوهت لضرورة مساعدة الأهل بالعمل حتى لو لم يكن من اختصاصهم كأنور الذي تولى مهمة إنضاج المعجنات في الفرن، وأكد لأستاذه أنه دائم المساعدة لوالدته وأخته.
* التأكيد على العلاقة الجيدة بين زوجة الابن وعائلة زوجها، فهم عائلة واحدة وليسوا جبهتين، وفي المقابل هم لها كالأهل (أم أنور)
* التضحية لأجل الأفضل، فــأم أنور رفضت العودة لأهلها في غزة كي يتربى ولديها بين أهل والدهم المتوفى
* أشرت للأسس التي يقوم عليها اختيار الزوجة، عملا بالحديث الشريف اظفر بذات الدين، وهذا ما أكد عليه العريس سائد فما من مواصفات يضعها للعروس، إذ يكفيه أن تكون مقبولة شكلا، وتتمتع بالخلق الحسن؛ فهي التي سيضع بين يديها أمانة تربية الأبناء
* أكدت على خاصية التكافل والترابط بين العائلات من جهة وبين أبناء الوطن الواحد من جهة أخرى، وذلك من خلال تأجيل موعد الزواج بسبب أحداث حرب الخمسين يوما عام 2014م على غزة.
* التوثيق للأحداث وهذا ما قامت به شيماء ابنة أم أنور راصدة أحداث حروب ثلاثة وقعت على غزة 2008 – 2012 – 2014م
* أوردت بعضا من الأمثال الشعبية على لسان أم أنور، كذلك آيات قرآنية وأحاديث نبوية موظفة كلّ في موضعه
* مائة وستون صفحة (160) صفحة اعتمدت فيها التوثيق مع الدراما مع التراث وبعضا من عاداتنا الشعبية المتبعة في الزواج
* هذا العمل فتح لي كثيرا من المغاليق، فبه اطلعت على كم كبير من المعلومات عن قرى محافظة جنين والتي كنت أجهل الكثير منها، كما جعلني أتنسم عطر الوطن، فملأت رئتي بعبق أزهار اللوز والزعتر، عشت فيها وعايشتها، سرت في شوارعها، فطُبعت بذاكرتي، وتركتُ طيفي على رمالها وسفوحها وجبالها
كما أن لهذا الكتاب يرجع الفضل بفتح شبكة تواصل مع أشخاص لم أكن أعرفهم؛ أمدوني بالمعرفة والمعلومة الصحيحة؛ كلّ عن قريته، برغبة صادقة وحماس كبير لرؤية الكتاب، هؤلاء جميعا أصبحوا لي أصدقاء، وأرى أنه لزاما عليّ أن أتقدم منهم جميعا بالشكر ووافر التقدير
أخيرا أسأل الله العلي العظيم أن أكون وُفقت في هذا العمل، فأكون ساهمت بتأصيل فكرة التمسك بالوطن في نفوس الفتيان، ونبهت لضرورة حرص كلٍّ منهم للتعرف على أجزائه ما أمكنهم ذلك، وأن يقبله المولى خالصا لوجهه الكريم والله الموفق
**
بعد أن أنهت الأستاذة فتحية إلمامتها عن الكتاب تلت رسالة واردة من هناك؛ من جنين، من السيدة أم عماد أبو زهرة رئيسة جمعية جنين النسائية، تقول في رسالتها:
عظيمة هي الكلمات التي تربط نبض الوطن بشقيه الساحلي والداخلي، بمتانة حروفها وتألق صورها، تؤرخ تجذر زيتونها، وتعانق أمواج بحرها، وتدفق مياه عيونها، يغمر أرضها بحب وحنان، عجزت قادته وساسته رغم كل محاولاتها أن توحد شطريه، إلا أنه وقف شامخا عزيزا متحدا بعيون أدباءه وروعة كلماتهم.
رواية جسدت ملحمة شعب خالدة لا تأبه بالمفاوضات ولا تهمها المناكفات، كل همها أن يرى كل فرد في هذا الوطن نفسه فوق كل ذرة تراب من ثراها، فجاء هذا الكتاب ليؤرخ ويرسم خارطة طريق بملامح أمجاد الآباء والأجداد، يهتدي بها أشقاء رحم الأرض في غزة، علّهم بقراءتها تخط أقدامهم ثرى جنين ونابلس وباقي الربوع المحتجزة تحت خناجر الغدر والقهر، وقد حرمتهم من أحضانها.
وكم نتمنى أن نرى عملا مشابها؛ نعبر من خلاله وبين أسطره ربوع غزة الحبيبة، نشاهد مدنها ومخيماتها وشطآنها، وتحملنا سفن العودة في بحرها، ورايات النصر ترفرف فوق أشرعتها، تتراقص على أنغام أمواجه، وأهازيج النصر تدوي تروي حكاية إنسان .. قهر الهوان والسجان.
أم عما دأبو زهرة
**
ثم تلت رسالة وردت من مدير مدرسة أم الريحان المختلطة الأستاذ عائد زيد كتب فيها:
بداية اتقدم بجزيل الشكر والعرفان للأخت الكاتبة والأدبية ا. فتحية صرصور باختيارها الموفق بالكتابة عن قرية فلسطينية تمارس عليها أبشع الوسائل من قبل الاحتلال، قرية تستحق أن يعرفها الصغير والكبير قرية تقع على تلة جبلية يحيط بها أكبر محمية طبيعية في فلسطين وبرج يتوسط المحمية، يطل على السهل الساحلي من زمن الإنجليز، واستخدمته الحكومة الاردنية والآن الاحتلال يفرض سيطرتها بعد ان كانت متنزه فلسطيني بإمتياز، وبجانب القرية آثار لقرية رومانية تمتد عل مساحة 44 دونما، ويوجد بها مقابر ملكية، ولكن تم وضع هذه القرية داخل جدار الضم والتوسع، فلا يسمح لهم الدخول إلا بتصريح
نحن من قرية أم الريحان ومن آل زيد الكيلاني، نبرق لكم تحية مملوءة بالريحان والعنبر لكم وخاصة أنه آن الأوان ليتعرف الجميع عليها وخاصة أن القرية يحيط بها سبع مستوطنات وأؤكد على أن كل من سمع عن هذا الكتاب في القرية ارتسمت الابتسامة على وجهه وينتظر بفارغ الصبر صدوره وتوزيعه
فلكم منا كل المحبة والاحترام والتقدير الأستاذ عائد زيد مدير مدرسة أم الريحان المختلطة.
**
ثم كانت الكلمة لشيخ الأدباء والروائيين الأستاذ غريب عسقلاني وهي بعنوان: التوثيق والأدب والرسالة التربوية، في كتاب ام الريحان رحلة داخل الأوطان" للمربية للأديبة فتحية صرصور".
وقد افتتح حديثه بالقول أشكر الأستاذة فتحية وقد جمعت في كتابها بين توثيق المعلومة وبين أصول التربية والتعليم، فتوصلت من خلال قراءة كتابها إلى أن المنهج التربوي هو منهج علمي بالأساس، يقوم على التخيل مما أوجب على الكاتب أن يكون أمام حقائق معتمدة، وقد كسرت فتحية الرتابة العلمية فجمعت بين السرد الحكائي وبين تقديم مادة مجردة.
ثم بدأ بطرح ورقته التي قال فيها:
في كتابها أم الريحان رحلة داخل الأوطان, تبحر الأديبة المربية فتحية صرصور, وقد تزودت بالمتاح من مراجع التاريخ, ومدونات الرحالة والمثقفين, بالإضافة إلى شهادات ميدانية لعدد من رجال التعليم في الضفة وغزة يؤرقهم ذات الاهتمام لتنشئة جيل لا يغترب عن وطنه، وذلك بربط التاريخ والجغرافيا والإنسان الذي مر عليها أو أقام فيها، وتوثيق المتوارث من حكايات الناس في كل مدينة وقرية ومضارب البدو، وكل ما من شأنه إضاءة حراك السكان في العالم العربي، ومساهماتهم في إعمار الأرض منذ أزمان سحيقة سبقت الديانات السماوية، قبل التأويل الصهيوني واعتبار أن اليهود أصحاب الحق في فلسطين، بضبابية تضرب عرض الحائط أن الشعب الفلسطيني بيهوده، مسيحييه ومسلميه عاشوا لحمة واحدة منذ أزمان سحيقة نقشوا وجودهم في التاريخ الإنساني.
وقد سلكت الكاتبة الأديبة مسارا جمع بين تقنيات الروائية بحدود، والسيرة الذاتية بحدود أبضا، لتحقيق غاية كتابها التعليمي.. بتقديم توليفة حكائية تناسب وهي وعرفة تلاميذ المرحلة الإعدادية المتفوقين الصاعدين نحو فهم الحياة والالتزام نحو تحيق غايتهم في الحياة
ولعل ما يلفت الانتباه وقوف الكاتبة عند تحليل وتفسير الأسماء الواردة على ألسنة العامة، بالعودة للنص القرآني باعتباره المرجع في علم الكلام والبلاغة، ونسب اللهجات إلى قيائلها العربية، وبذلك تقدم درسا لغويا عميقا سلسا وسهلا في توصيل الرسالة.
الاحصاء والنشاط البشري ومعالم البيئة:
تستند الرحلة على أمهات كتب الرحالة والموثقين في عصور متعددة وتصف طبوغرافيا المواقع وارتفاعها عن سطح البحر، ومدى صلاحيتها للإعمار، وما تشتهر به من مزروعات ونباتات موسمية، وأشجار معمرة، ما يؤكد أن فلسطين جنة الله على الأرض، وسببا لاستقرار الوافدين اليها الذين أضافوا إلى تاريخها على مر العصور، الأمر الذي يجلي حقيقة فلسطين العربية قبل هبوط الأديان وقبل ظهور الإسلام خاتم الرسالات السماوية، وما طال الأمة العربية من شقاق وانتكاسات أدت إلى ما نحن علية اليوم.
الرواة المساندون:
يظهر في الكتاب جهد ثلة من المشاركين المعاصرين من أساتذة المدارس، والنخب الاجتماعية من رؤساء عشائر ومخاتير عائلات، ورجال دين قدموا ما علق في ذاكرتهم من حكايات ومعتقدات توارثوها في أماكن تواجدهم في المدن والقرى والسكنات والخرب، ما جعل رحلة الكتاب مدونة تمتد من التاريخ القديم إلى المعاصر المعاش، ما يشير إلى جنود مجهولين يؤكدون على مصداقية الروايات وردها إلى مرجعية الظواهر إلى جذورها، ما يضفي على الكتاب قيمة تراثية تثري الجانب المعرفي للطلاب في سن مبكرة وتفتح آفاق التخيل القائم أسس واقعية.
لحمة فلسطينية واحدة موحدة:
تتنقل الكاتبة إلى الأحداث المعاصرة، حيث إن الوطن المتاح بعض الضفة وقطاع غزة، بفعل تمدد الاستيطان بعد اتفاقية أسلو، وتمدد المستوطنات التي تلتهم مساحات واسعة من أراضي المدن والقرى والأراضي الأميرية، وعزلها بالجدار العازل الذي قسم حتى البيوت على جانبية، وأصبحت الجغرافيا مع سكانها أشيه بالسجون المعزولة محرومة من أي تطوير لصالح المستوطنات التي تمدد الكثير منها وأصبحت مدن وقلاع حربية أدت إلى انتفاضة الأقصى التي فجرت المقاومة، والتي عكست العلاقات الأسرية التي تشكلت بفعل المصاهرة والنسب بين أهالي الضفة وغزة، ما جعل التكافل الاجتماعي شكلا من أشكال المقاومة أيضا التي تحمّلها الأجيال الصاعدة مسئولية مضاعفة اتجاه الحفاظ على أسرهم بوسائل بناءة، وجعل الآباء والأمهات يقمن بأدوار مضاعفة
فأخذت المصاهرة نمط الحفاظ على الأسر في صعوبات الحياة، وقد تجلى ذلك في مصاهرة أسرتين من أسر التلاميذ بمباركة الجميع وكأن الأسرة القادمة بداية مسيرة تقوم على تحمل مسؤوليات جسام لا حالة فردية تدير ظهرها لبقية أفراد الأسرة.
وقد اغتنمت المؤلفة في سياق البحث عن الجذور، إحياء تقاليد الزواج والخطبة والبحث عن العروس و" الشوقة" وخاتم الشوفة بعد موافقة الأمهات والأخوات والجارات الطيبات المرافقات، كما أحيت العادات في حالات الحزن والفرح بالأغاني والأمثال والأقوال المأثورة وإسنادها بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية شريفة تدعم جذورها العادلة غير القابلة للنقض والتأويل، مما يؤكد ربط الأرض بالإنسان وتشكل الهوية الفلسطينية المشتركة مهما تنوعت الطبوغرافيا وتمايزت العادات هنا وهناك ببن الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني بعمقه العربي.
مدونات خاصة:
وكأن غزة على انتظار مع مفاجئات جديدة، فأنور عليه أن يقفز من عمرة إلى مرحلة الرجولة والمسئولية فجأة ليحمل أحزان أمه وأهلها في غزة وكأنه لا يكفيها لوعة انقطاعها عن التواصل معهم بسب الحصار الذي فرضه الاحتلال بعد انتفاضة الأقصى، وها هو يقصف رفح والشجاعية، وتهرب خالته إلى مراكز الإيواء في المدارس، التي باتت أهداف للقصف.. هل ستعاني أم أنور اليتم من جديد بفقد أحبتها؟
ألا يكفيها يتم ابنها الذي لم يفرح بحضن أبيه الذي اغتاله السرطان فجأة بعد رحلة عشق خاطفة وابنتها التي جاءت الدنيا بعد غيابه فأصبح سطرا من الحكاية؟
ليصبح قدر هذه الفتاة أن تسكن الأجندة، تدون يوميات الحرب على غزة، منذ وقائع الرصاص المصبوب، وعمود السحاب، والجرف الصامد، ولسان حالها يهرف بقول أمها " اللي لا تصابحه ولا تماسية ما تعرف إيش الزمن يعمل فيه"
راحت الأم تردد الأغاني الحزينة وتردد مشاعر الفجيعة وشيماء تدون ما تقطره الأم من ألم وتضيف سفرا من أسفار الفجيعة بإيمانها أن غزة النقاء تعيد قدرها وتخرج من رمادها كل مرة أكثر عنفوانا، وان عليها الصبر مع أولادها ومواصلة الرحلة وسط ناس باتوا أهلها وأهل أولادها على أرض تعلقت بها كما تعلقت بغزة وأن غدا لناظره قريب.
وبعد:
فقد قدمت المربية الأديبة عملا تربويا يناسب وعي طلاب المدارس، واستعانت بمراجعها اللازمة، مستندة على رؤية دينية وسطية تستلهم روح الإسلام النقي، وتتسامى عن السلبيات، ينبع من موقفها البناء اتجاه الحياة، فقدمت عملا يأخذ نسيج الرواية يعتمد على حكايات المحدثين والغابرين، لعلها ومجموعة من الكاتبات الرائدات في هذا المجال، قد أضافت عملا جديرا بالقراءة، وجديرا أن يضاف إلى مساقات المطالعة الحرة التي تعمل على تخصيب الوعي، وحفز الذاكرة التي ستصبح يوما البئر العميقة التي تشكل وعي الأجيال.
بعد أن أنهى الروائي غريب عسقلاني عرض ورقته فتحت الأستاذة فتحية للحضور باب النقاش فكان الأستاذ عبد الكريم عليان أول المتحدثين فقال: نبارك للأخت فتحية هذا المنجز العظيم، فالعلم التربوي يقول إن من يكتشف اللحظة الحرجة عند الطفل يستطيع أن يوجه الطفل للمسار الصحيح، وفتحية وضعت كتاب يلائم هذه المرحلة الحرجة؛ مرحلة المراهقة، قدمت لنا منهجا جميلا، وأسئلة كثيرة عند هذا الطفل ليسير في المسار الصحيح.
وإن كنت لم أقرأ الكتاب إلا أنني من السرد لأحداثه، وما قدمه الأستاذ غريب تيقنت أن للكتاب قيمة كبيرة، وأتمنى أن أقرأ هذا الكتاب.
المهندس عمر الهباش قال: مشكورة الأستاذة فتحية على هذا الكتاب، وأؤكد على ما قالته، فأرض فلسطين لم تحتو على أي أثر إسرائيلي، حتى العملة التي تداولوها، سرقوها من الكنعانيين.
أبارك لها وأتمنى أن أحصل على نسخة من الكتاب:
الأديب الروائي خلوصي عويضة قال: للتو انتهيت من قراءة كتابك (فدوى طوقان .. وأنا) وشعرت بالمتعة وأريد أن أبارك لك؛ فبارك الله في عمرك وعملك، وبديع كلماتك.
ثم قال: لي سؤال موجه لكل من الأستاذة فتحية والأستاذ غريب، وهو: هل لو فكرت في طبعة ثانية للكتاب ستحذفين شيئا أو تضيفين شيئا؟
الأستاذ نبيل عابد قال: كتاب يتم عرضه، وللوهلة الأولى استطاع أن يثير هذه الضجة والاهتمام فهو كتاب قيم، وأنصح بأن يكون فهرسا لخريطة ذهنية وتُدرس ضمن المنهاج المعتمد.
الأديب عبد الرحمن شحادة قال: الكتاب قيم ويستحق كل هذا الاحتفاء، وأتمنى عليكم أن تتبعوا هذا الأسلوب لترسيخ حقيقة الأرض الفلسطينية في أذهان الأجيال الحالية والقادمة.
أشكر الأستاذ غريب وأشكر الأستاذة فتحية التي تقوم بكشف مضامين غائبة عن الكثيرين.
السيدة منال الزعانين بدأت مهنئة بإصدار الكتاب، ثم بالتوصية بإدراج الكتاب في المناهج التعليمية
ثم قالت: تأكيدا لما قاله الأستاذ غريب فأنا قرأت رواية كندية بعنوان حفيدة الراعي تتحدث عن قرية هرب أهلها من القمع، ولجأت الطفلة للجبل فوجدت عيون ماء.
الأستاذة إيمان أبو شعبان قالت: بعد التهنئة بالكتاب أقول إن فتحية حاصلة على ماجستير في النقد الأدبي، لكنها تعدت حاجز النقد الأدبي وكتبت في عدّة مجالات، وهذا يُحسب لها، فقليل من الكتاب يخوضون في أكثر من مجال، فلها كل التحية.
الأستاذة آمال عبد المنعم قالت في مداخلتها: من خلال القراءة التي سمعناها أعتبر هذا الكتاب فريد من نوعه، لأن معظم الكتب التي تناقش في الصالون هي أدبية، لكن هذا الكتاب يُعرج على موضوع غائب بسبب عدم إمكانية التنقل بين غزة والضفة، فقليل من أطفالنا من سمعوا عن أم الريحان وباقي قرى ومدن الضفة الغربية، وجميل جدا أنك وصفت الطبيعة الجغرافية والمتغيرات الجيولوجية التي تعرضت لها.
بعد ذلك شكرت الأستاذة فتحية كل من تحدث، وردا على سؤال الأستاذ خلوصي قالت: في مسيرة الرحلة كنت أعرّف بكل قرية أو مدينة أو خربة مرّ عنها الطلاب، كنت أتحدث عن تسمية المكان، ومعظمها يُقال أكثر من سبب لتسميتها، كعجة التي قيل إنها سميت لإيوائها أحد الفارين من العثمانيين وعندما رفضوا تسليمه أحرق العثمانيين ممتلكاتهم وبيادرهم فانتشرت عجة الدخان، وأكدت على أن كرمهم وحسن استقبالهم لمن يلجأ لهم ممتد بأهلها حتى اليوم، فجعلتهم يستضيفونهم في مضافة القرية ويحملوهم زوادة تكفيهم لباقي الرحلة، وهكذا في كل موقع.
وعندما تحدثت عن سبسطية بآثارها الرومانية، قلت إن التجول في مواقعها الأثرية والسياحية يحتاج لرحلة ثانية وعد المعلم طلابه به، فلو قدر لي أن أطبع الكتاب قد أضيف هذه التفصيلات لسبسطية.
ثم كان رد الأستاذ غريب: طالما أن الكتاب في جزء منه يعتمد على البحث والتدوين فهو قابل للإضافة ولا يعيبه ذلك، فالدكتور أحمد شلبي الباحث قال عن رحلة الإسراء والمعراج في طبعته الأولى أن الإسراء كان بالروح فقط، وبعد ذلك عدّل المعلومة في طبعاته التالية وقال إن الإسراء كان بالروح والجسد، وكثيرا ما نرى في الكتب عبارة (طبعة مزيدة ومنقحة).
لذا طالما أن الإنسان خلف الفكرة فقد تصيب وقد تخطئ وقد تتطور، فأن أعجب ممن يعيش في 2020م ويستعين بمرجع مرّ عليه قرن من الزمن، فلابد للباحث أن يواكب التطور وإلا يكون بحثه ناقصا.
وهذا الكتاب أرجو أن يُتخذ كمرجع بحثي ويُزاد عليه.
رفعت الأستاذة فتحية الجلسة على وعد بلقاء جديد من لقاءات الصالون بإذن الله.
11/06/2021 17:12 868