أبي، أعتذر منك، اعذِرني أيها الصَّموت؛ فلم أكن بالفطنة الكافية أن أفهم عتابك الصامت، اعذرني أن كنتُ في وهم البِرِّ وأنا أحسب أني في حقيقته، اعذِرني أن كنتُ أعطي أمي متنَ البر، ولا يصلك منه إلا حاشيته. 

 اعذِرني - يا أبي - أن كنت مَلولًا حين أجالسك، متثاقلًا حين أتصل بك، اعذِرني حين تجرأتُ عليك، وخطَّأت رأيك، وناقشتك مناقشة الأنداد، اعذِرني - يا أبي - حين تذمَّرت من نصائحك وتوجيهاتك، وكأني أعلم ما لا تعلم، وأفهم ما لا تفهم، اعذِرني حين فهمت ما تُلمِّح إليه، لكني تجاهلته بكل برود

 اعذِرني حين رغبتَ في مشاركتي في مناسباتك، لكني تشاغلت عنك بغير شغل، اعذِرني حين أهديتُ إلى أمي وتركتك، وزُرتُها حبًّا وزُرتك إعذارًا، وذهبت بها ومعها، وذهبت عنك ومنك، اعذِرني حين فقدتَني وقت حاجتك، ولم تجدني حين رغبت في وجودي..

 اعذِرني مرة حين لم أفهم عتابك الصامت، واعذِرني ألف مرة حين فهمته وتجاهلته، يا لوقاحتي يا أبي حين امتلأ قلبي بملاحظاتي عليك، وتذكر أخطائك، ونسيت أنك سبب وجودي، وسر صمودي! أرجوك، اعذِرني يا أبي حين تزوجتَ، فلم أكن حكيمًا في ردة الفعل، وناصبت زوجتك وأبناءك العَداء. اعذِرني عن كل مرة تسامرنا مع أمي وإخوتي وأنت تعلم بنا، وتود أنك معنا، لكنا لم نَدَعْك، فتُسِرها في نفسك ولم تبدِها لنا، اعذِرني إذ كنت لا أزورك إلا لمامًا وأنت تحُسُّ بهذا، ولا تجد له سببًا، لكنك تتغافل ولا تُظهِر لي شيئًا، اعذِرني يا أبي في كل مرة تحس بتقصيري في بِرِّك، وتستهجن ذلك، لكنك تكتمه بين أضلاعك. وأخيرًا ...

 اعذِرني يا أبي أن تأخرت في اعتذاري.