ما حدث في لبنان ويحدث وما سيحدث ، يشكل فارقا كبيرا لمعنى ان تكون صغيرا في محيطك ، كبيرا في إنجازاتك ، وكأنك دولة عظمى فيما تم تحقيقه على مدار السنوات الماية منذ سلخ لبنان من سورية الكبرى ، وحتى مذبحة الميناء.

ما حدث في بيروت بخاصة بالأمس القريب ، أذهل كل من تابع الحدث ،من حيث الحجم والتوقيت والنتائج.

فلبنان الذي قاوم عبر تاريخه كل محاولات الفتنة في جبله بين الدروز والموارنة ، وصولا الى تحمله كل التبعات المترتبة عليه كنتيجة لوقوفه مع القضية الفلسطينية سواء بإشتراكه في حرب عام 1948 ، من خلال ارسال قواته عبر الجليل لإسترداد فلسطين قضية العرب الأولى ، أو ما ترتب عليه من تحمله لواجبه القومي الذي أملاه عليه الواجب الوطني والإلتزام القومي مع قضايا أمته وذلك بإستقبال عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين لجئوا الى لبنان هربا من المجازر الصهيونية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق القرى العربية الفلسطينية الآمنة، أو من خلال تجاوزه للتحالفات والمحاور البينية الإقليمية ، بل وعدم الإنصياع لكل التهديدات الدولية العظمى ، وخاصة اسرائيل بعدم إستقبال منظمة التحرير الفلسطينية على أراضيها ، ثم عبوره للحرب الأهلية اللبنانية كثمن لعدم إنصياعه ،بل وتضاعف الثمن بإجتياح اسرائيل للبنان وصولا حتى اعتاب قصر بعبدا ، ثم إستمرار نضاله من أجل إنتهاء الوصاية البعثية الأسدية وأجهزته المخابراتية على لبنان ، وقيام اللبنانيين بعدة إنتفاضات من اجل تحسين ظروف حياته.

كل هذه التضحيات للأسف لم تعطي ضمانة حقيقية واحدة من أجل التخلص من الطغمة السياسية الحاكمة و الفاسدة في لبنان .

الكارثة التي لحقت في بيروت ، أصابت الجميع في لبنان وخارجها على إمتداد الكون الواسع ، إلا الطبقات الطائفية وزعاماتها التقليدية والتي عفى عليها الزمن ، ولم تعد تملك في جعبتها اي حلول لما يعانيه لبنان سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا.

لا زالت الزعامات التقليدية او من إحتذت حذائها ، تأتمر بالمندوب السامي الأمريكي والفرنسي والإيراني والسعودي والإماراتي واللوبي الصهيوني عبر عملاء وصلوا الى أعلا المناصب في كل أجهزة الدولة.

لاضمانة رغم حجم الكارثة التي أصابت اللبنانيين في مقتل ،في أن العفن الذي يغذيه أباطرة المال والعقار والأفيون والسلاح والآيات سينتهي او أن هناك طريق للحل.

والذي يعول على الجيش اللبناني ان يقوم بخطوته التاريخية ، عليه أن يعلم أن الجيش اللبناني قد تم تشكيله من كل الطوائف ، وكلها لها حصة في إبداء الرأي والقاء الأوامر على من يتبعه من الوية في هذا الجيش .

إذا لا يوجد ضمانة في كل مؤسسات الدولة اللبنانية بما فيها الجيش ،من أجل إستقرار لبنان على كافة الصُّعُد .

الضمانة الوحيدة هو الشعب اللبناني الذي يعتبر الحارس الأمين على لبنان ببره وبحره وجباله ومياهه وأنهاره وسهوله وثرواته ، وفنه وأدبه وحريته وإستقلاله.

فقط الشعب اللبناني هو الذي يعتبر الرقم الصعب ، والمعادلة الرئيسية ،وصاحب القدرة في فرض أجندته الوطنية ومطاردة ومحاكمة كافة الزعماء من كل الإتجاهات الذين ساهموا ولعشرات السنوات تحت مسمى الباشوية والبيكوية والحربجية واللصوصية والعربدية، ولن يكون شعب رومانيا أكثر جراة عندما حاصر الرئيس تشاوتشيسكو في قصره وحرك الجيش ضده وأعدمه أمام شاشات التلفاز ، بالرغم أن المقبور قتل ولم يكن هناك قرش واحد تدين به رومانيا لأي دولة في العالم ، فكيف بلبنان الذي يقبع في الحضيض تحت آلام الديون والتي وصلت الى مايقارب ماية مليار دولار أمريكي مستحقة على لبنان وبطبيعة الحال اللبنانيين.

هذه الأموال لم تؤمن الكهرباء للبنانيين الذين لازالوا يعيشون على رائحة المازوت وماتورات الكهرباء الخاصة .
ولم تؤمن نظام الصرف الصحي ، ولا مكبات النفايات ولا المستشفيات المتقدمة ولا نظام الضمان الإجتماعي والتأمين الصحي ،ولا حتى حفرت بئر بترول أو أنشأت محطة للغاز ، لم تصنع هذه الأموال جيشا مسلحا إلا بما تتصدق عليه الدول الأخرى من بقايا أسلحتها التي إنتهت مدتها.

لبنان يعاني ولكن ، يستطيع الشعب اللبناني إنها التنظير الطائفي وإسقاط كل هؤلاء الذين دمروا لبنان التاريخ والحضارة والرقة والعنفوان.

الشعب اللبناني ضمانة المخلصين ، ولاشك أن حركته قريبة وجيشه المغوار سيحميه نابذا الطائفية بعيدا من أجنداته 

عاش لبنان حُرًّا أبيًّا
وعاش شعبه ملاذا للأحرار

واستبشروا خيرا.