إن من أجمل ما أنعم الله علينا كان نعمة العقل ، الذي وهبنا إياه الله لكي نتعرف عليه سبحانه ونعبده حقّ العبادة ، فنأتمر بأوامره وننتهي عما نهانا عنه سبحانه.


ولقد أكرمنا الله بالقرآن الكريم وهو كلام الله المنزل على سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ، والذي يحمل بين دفتيه الأحكام والمعاملات والعبادات ، وأخبار السابقين ووصف واقعنا و بشريات المستقبل القريب بالنصر والعزة لهذه الأمة.

وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم :
"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وسنتي وفي رواية وعترتي ، فعَضوا عليها بالنواجذ"
أو كما قال الرسول الكريم.

لكننا نعيش منذ قرون حالة التقديس لكتاب الحديث فيما عُرف بالصحاح مثل صحيحيْ البخاري ومسلم ، على أنهما كتب سماوية لا يأتيها الخلل وهي مقدّسة لدرجة أن من ينقد البخاري او مسلم في بعض ما جمعاه من أحاديث ، يجعلك في نظر بعض المتفيقهين إنسان ملحد أو خارج عن المِلّة .

الإمامين العظيمين جزاهما الله عنا كل خير إجتهدا في جمع الأحاديث قدر وسعهما وأمانتهما ، وبذلا في ذلك مجهودات عظيما .

ولكن لا يعني ذلك أن نقدس سرّهما ، وأنّ كل ما أورداه من أحاديث لا يأتيها الباطل من بين يديها ومن خلفها ، وكأنهما أخذا الأحاديث مباشرة من رسول الله فنقلاه لنا بثّاً حيًّا ومباشرا من الروضة الشريفة الى العالم ، بثا مستمرا عبر القرون والى أن يرث الله الأرض وما عليها.

هذين الإمامين ، هم بشر كسائر البشر من حيث إمكانية الوقوع في الخطأ ، فهما غير معصوميْن من الوقوع في الخطأ والنقص في العمل البشري.

وهنا فرضية الخطأ موجهة الى العمل الذي قام به الإمامان ،مسلم والبخاري ، وليس الى نصوص الأحايث التي ثبتت صحتها سنداً ومتناً .

حالة الإشكال التي تصيبنا في التعامل مع بعض من يدعي أنه من أصحاب الفقه ، هي تقديس الشخصيات مثل البخاري ومسلم ، وهذا ما أشار اليه العلاّمة المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني في فتاويه حين قال :(أثناء البحث تمر معي بعض الأحاديث في الصحيحين ، او في أحدهما ، فينكشف لي أنّ هناك بعض الأحاديث الضعيفة ).

من المهم أن نعلم أنّ تقديس الرواية المنسوبة الى رسول الله يجب أن يكون بسبب صحة السند والمتن للحديث ، وليس بسبب شخص معين أنه مقدّس غير معرض للخطأ، وهي صفة لا يتمتع بها إلا الأنبياء.

على اي حال فإن المطلوب منا إدراك الحق وليس البحث عن الباطل ، مع تقديم الإحترام لكل فقهاء الأمة وعلمائها ، دون النظر اليهم نظرة تقديس ، بالتالي نحن بحاجة الى تجديد الخطاب الديني وتطويره ومعالجة ما عاشته الأمة من أخطاء في إعتبار ما تكلم به بعض العلماء على انه مقدس ولا يجب المساس به ، مع التأكيد على أننا نرفض منطق من ينكر السنة ويتمسك بالقرآن وحده ، لما في ذلك من تعطيل للشريعة التي بينها لنا النبي محمد صل الله عليه وسلم، وفصّل أوامر الله لنا في القرآن الكريم.

يقول الإمام الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة:
" جهل بعض الناشئين الذين يتعصبون لصحيح البخاري وكذا صحؤح مسلم تعصباً أعمى ، ويقطعون أنّ كل ما فيهما صحيح ، ويقابل هؤلاء بعض الكتاب الذين لا يقيمون للصحيحين وزناٍ ، فيردون من أحاديثهما ما لا يوافق عقولهم وأهوائهم"  

والله أعلم ...