قال تعالى:(الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ ويومئذٍ يفرح المؤمنون*بنصر الله ينصُر من يشاء وهو العزيز الرّحيم)سورة الروم 1-5

كلمة الإنتصار تحمل بين ثناياها نشوة عظيمة ،خصوصا عندما يتم الإنتصار من ضعيف قوي أمام قوي ضعيف مهزوم في داخله ،يحمل أسس إنكساره في أعماق مكوناته.

من كان يظن قبل الف وأربعمائة سنة،أن إمبراطوريتين عظيمتين هما فارس والروم ،واللتان كانتا تخوضان حربا ضروسا بينهما ولا تستطيعان هزيمة بعضهما البعض بالرغم من التقدم العسكري بمعايير ذلك الزمان الذي كانتا تتمتعان به،إستطاعت ثلة من المؤمنين والتي لم تتجاوز بضعة آلاف من الصادقين الذين صدقوا الله والذين آمنوا بربهم ،أن تهزم تلك الجيوش الجرارة في موقعتين وفي نفس الزمن إحداهما في معركة القادسية في العراق ،والأخرى في بلاد الشام في موقعةٍ على نهر اليرموك .

نعم الإنتصار أتى من اللامعقول ،فسقوط الإمبراطوريات التي حكمت لآلاف السنين كان في عرف العامة والخاصة أمرا من سابع المستحيلات ،ولكنه حدث بفضل الله أولا ثم بفضل الذين صدقوا مع الله فصدقهم.

وهذا الإنتصار اللامعقول حدث عندما هُزمت جيوش هولاكو في عين جالوت على يد قطز وبيبرس وجيشهم المتواضع ،وكذلك عندما هُزم المغول على أرض الشام وهي الأرض التي أسقطت أيضا سبعة حملات صليبية مدعومة من أوروبا والتي باركها البابا في روما.

حدث اللامعقول في هزيمة الجيش الأمريكي في فيتنام ،وهزيمة الجيش السوفيتي في أفغانستان .

نعم حدث اللامعقول عندما استعادة المانيا قوتها الاقتصادية بعد هزيمتها في الحربين العالمتين الأولى والثانية ،وكذلك صنعت اليابان وفيتنام اللامعقول في إستعادة وجودهما الإقتصادي بالرغم من الدمار الذي احدثته القوات الأمريكية فيهما .

حدث اللامعقول في العرف العسكري عندما استطاعت فصائل فلسطينية من مباغتة الدفاعات الإسرائيلية على حدود غزة ،واستطاعت إختراق الأسوار الخرسانية والإلكترونية والإستخبارية ،وأن تنفد إلى ما بعد الاسوار الفاصلة بين غزة وباقي أراضي فلسطين التاريخية ،الأمر الذي اذهل أجهزة الأمن ليس فقط الإسرائيلية وإنما الأمريكية والاوروبية والعربية وحتى كانت مفاجأة للفصائل الفلسطينية بحد ذاتها،بل وان يتطور اللامعقول في قتال مستمر منذ خمسة عشر شهرا ليس مع الجيش الإسرائيلي فقط وإنما مع كل مصانع السلاح في أمريكا وبريطانيا والمانيا وإيطاليا والمجموعة الأوروبية، ولا ننسى بعض الدول العربية الداعمة لإنهاء الحالة المقاومة في غزة وبمباركة السلطة الفلسطينية.

وكذلك الإنتصار اللامعقول صنعه السوريون عندما اسقطوا حكم عائلة الأسد ومعها الإحتلال الإيراني ومن تبعها من ميليشيات أتت من العراق ولبنان وباكستان وغيرها من شذاذ الأفاق، بالإضافة إلى تحييد الإحتلال الروسي بكل ما يمثله من قوة الدولة العظمى المتواجده في المنطقة.

ما يحدث في المنطقة من تحولات وتغييرات جذرية وإعادة رسم خرائط للمنطقة ودولها تجري ضمن سنن كونية في التغيير ،ويمكن مقارنتها بتحول بيزنطة إلى الإمبراطورية العثمانية ،وسقوط دول الطوائف في الأندلس إلى المملكة الإسبانية ،وتحول الأرض الأمريكية من منفى للبروتوستانت والمجرمين المنفيين من بريطانيا ،إلى دولة عظمى تدعى الولايات المتحدة الأمريكية .

وكذلك كان سقوط شاه إيران الذي كان عميلا أمريكيا ورجل إسرائيل في منطقة الخليج والذي كان يتربع على اكبر ثروة نفطية في المنطقة ،واكبر قوة عسكرية في المنطقة وخامس قوة عسكرية في العالم ،كل ذلك لم يَحُل دون سقوط نظامه بين ليلة وضحاها ،وكل ذلك بدعم استخباري أمريكي للنظام الجديد هناك.

علينا أن نقرأ التاريخ بعناية ،وأن نتدبر أحداثه ،ولا يكون ذلك إلا بفهم القرآن والسنة النبوية ،ولا ننسى ماجاء في إصحاحات الكتب السماوية والنبوءات القديمة ،ومحاولة فهم الواقع من خلال هذه الدراسات ،التي ستجعلنا نفهم ،أن اللامعقول هو في الحقيقة عين العقل في صنع التغيير وتجلي الإنتصار .

والله غالب على أمره 
فاستبشروا خيرا