
الحمدُ لله وليّ الصابرين، وصلّى الله على نبيّه الصادق الأمين، وعلى آلِه وصحبه أجمعين:
أمّا بعدُ:
فقد ثبَت عن نبيّنا ﷺ قولُه: "لمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ-قَطُّ-حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا: إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا".
وفي هذا الحديث النبويّ الجليل فوائدُ:
١- حِرص النبيّ ﷺ على أمّته، بتحذيرِه ممّا فيه هلاكُهم، وبيانِه ما به نجاتُهم.
٢- خطَر كبائر الذنوب والمعاصي على جميعِ الأمّة.
٣- عِظم أمرِ إعلان الكبائر، والمُجاهَرة بها.
٤- التوبةُ إلى الله مِفتاح النجاح، وباب النجاة.
٥- التفريق بين(الطاعون)، وغيره مِن(الأوبئة).
٦- كل(طاعون)(وباء)، وليس كلُّ(وباء)(طاعوناً).
٧- ورَد في (الطاعون) نُصوصٌ غيبيّة شرعية تمنعُ مِن قياس الأوبئة الأخرى عليه-مِن جميعِ الجِهات-.
٨- التعامُل مع (الطاعون) مِن حيثُ هو وباءُ-معقولُ المعنى، ومُدْرَكُ السبب؛ فتُعامَلُ الأوبئة الأخرى معاملَةَ (الطاعون) مِن هذه الجهة.
٩- لِمَن سأل: هل تَعامَل النبيُّ ﷺ والصحابة الكِرام-مع(الطاعون) بمنع صلوات الجُمع والجماعات في المساجد في مثلِ هذا الظرفِ ؟!
أقولُ: دلَّ الحديثُ السابقُ على وجود(أَوْجَاع لَمْ تَكُنْ مَضَتْ)، ولا ظهَرت في الأزمنة السابقة؛ فكيف بالأوبئة الكُبرى الجائحة، التي عصَفت-اليومَ بالعالَم-كلِّه كما ترَون وتسمعون؟!
وهذا دليلٌ مِن دلائلَ على أنّ لكلّ ظرفٍ حيثيّاته، ولكلّ زمان خصوصيّاته؛ بل لكلّ بلد أحياناً واقعه الخاصّ به، الذي لا يتعدّاه إلى غيرِه.
فلا يُطلَقُ مثلُ ذلك السؤالِ-هكذا بدون ضوابطَ-!
فكيف إذا نبّهْنا على ثلاثة أمور:
وهي أوقاتٌ يَكفي عُسرُها لمعرفة الأنقياء، والكشفِ عن الأدعياء! والتمييز الحقيقيّ بين الأصدقاء والأعداء!
الأول: أنّ هذا إجراءٌ مؤقّت، مرتبِطٌ بسببه-وجوداً وعدَماً.
الثاني: أنّ أكثرَ الدول العربية والإسلاميّة قامت به-حِرصاً واتِّقاءً.
الثالث: أنّ جهاتِ الإفتاء الكُبرى-في العالَم الإسلاميّ أفتَت بمشروعيّته احتِرازاً واحتياطاً.
١٠- في أوقات المِحَن، وفي ظروف الأزمات: يجبُ تغليبُ العقلية العلمية الجَمعيّة، على العواطف النفسية الفردية.
تفاؤلاً؛ لا تشاؤماً..
وتعاوُناً؛ لا تَصارُماً..
وحقائقَ؛ لا إشاعاتٍ..
ثُمَّ:
أعجَبني بعضُ أفاضل طلبة العلممِن دولةٍ شقيقةٍ-جزاه الله خيراً؛ لَمّـا كتَب بدايةً اعتراضاً على قرار الجهات الرسميّة الشرعية في بلاده بالمنع المؤقَّت لصلوات الجُمَع والجماعات بسبب(الكورونا)، فلمّا نوقِش، ورَدّ عليه مَن رَدّ: تراجع عن اعتراضه، وسار برَكب مجتمعه وبلاده.
إنَّ عقليّةَ الاعتراض والمُعارَضة يَقدرُ عليها أضعفُ الناس! وبخاصّةٍ مَن كان(!)مِن ذوي الأجِندات الذاتيّة(!)الذين يُقدّمون مصالحَهم الخاصةَ(!)على المصالح العامة للأمّة بضِدِّ مقاصد الشرع الشريف؛ فكيف بمَن يُعارِض بالقال والقيل دون أدنى دليل؟!
و..لا نُعمّم حتى لا نَظلمَ-.
وفي هذا السِّياق الأخيرِ:
شكَر الله سعيَه، وجعلَه قُدوةً(!)لأمثالِه ممّن اعترضوا كفعلِه الأوّل!، ولم يَرجِعوا كرجوعِه الأمثَلِ والأَوْلى!!
١١- قرارات أولياء الأمور فيما يختصّ بشؤون الكافّة، وعُموم المجتمع وبخاصّةٍ ما كان ظاهرُه(!)سلبياً-: لا تصدر عنهم اعتباطاً! ولا يُلزَم بها الناسُ عشوائيّاً!!
...لكنّها لا شكّ تصبُّ في المصلحة العامّة للوطن-بمجتمعه وأفراده-جَهِلها مَن جَهِل، وعَلِمها مَن عَلِم.
بل هي أصلاً وأساساً قراراتٌ واعيةٌ مُستوعِبة، تصدُر عن دراسة، وتأنٍّ، ودراية؛ وبمشاورَة أهل الاختصاص، وعامّة أركان الدولة.
فمُعارَضتُهم-في أغلَبِ أوقاتها-لا تكونُ عن عُشر مِعشار ما هم عليه مِن الحقّ والصواب.
١٢- تسارَع تطوُّرُ انتشار(فيروس الكورونا)-هذا-ليصلَ بأكثر بلاد العالم ممّن هم أغنى منّا! وأكثرُ تطوُّراً منّا إلى حدّ منع السفر منها وإليها بكافة طرقه ووسائله، وحَجْب الاجتماعات، والمؤتمَرات، وإغلاق أكثر الأسواق..إلى فَرض حالة الطوارئ! وحظر التجوُّل!!
إنّها حالةٌ أشبَهُ ما تكونُ بالحرب! بل إنها قد تكونُ أكثرَ مِن حرب!!
١٣- وما أجملَ ما قال وزيرُ الصحّة-في بلادنا أمسِ بُورِك سعيُه عن الإجراءات التي اتخَذتها الحُكومةُ-: (إنها قرارات قاسية)!
وصلى الله، وسلّم، وبارَك على نبيّنا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه-أجمعين-.
وهي(قسوةٌ)-في الظاهر! لا على الحقيقةِ-على معنىومَآلِ ما قال الشاعرُقديماً-:
فقسا لِيزدَجروا ومَن يكُ حازمًا ** فَلْيَقسُ أحيانًا على مَن يرحمُ
...له؛ لا عليه..
وقد قرّر علماءُ الفقه الإسلاميّ، أنّ: (الدفع أقوى مِن الرفع)؛ بمعنى: أنّ دفعَ الشيء قبلَ حُصولِه أسهلُ مِن رفعِه بعد وقوعِه.
وهو تأصيلٌ يلتقي ما يقولُه علماءُ الصحّة والتطبُّب-اليومَ-: (الوِقاية خيرٌ مِن العلاج).
وأخيراً:
أسألُ الله جَلّ في عَليائه- أن يحفظَ بلادَنا، وبلادَ المسلمين، والعالَمَ-أجمعَمِن هذا البلاء والوباء، وأن يردَّه عنهم، وأن يُنجّيَهم منه-بِمَنِّه تعالى وكرَمِه.
﴿والعصرِ. إنّ الإنسانَ لفي خُسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ، وتواصَوا بالحقّ وتواصَوا بالصبر﴾..
علي بن حسَن الحلبيّ
عمّان/ الأردن
٢٢ -رجَب- ١٤٤١ هجرية
17/03/2020 20:43 823