تمر علينا في هذه الأيام الذكرى السادسة والعشرون لوفاة المرحوم بإذن الله الجد الحبيب محفوظ الحاج احمد رحمه الله تعالى .
ولد شيخنا أبا الوليد عام 1909 في قرية برطعة وذلك زمن الحكم العثماني ، وفي السنة التي تم إبعاد السلطان عبد الحميد الثاني عن الحكم من حفنة من الماسونية التي تولت زمام الحكم آنذاك.
عاش الطفل محفوظ الذي كان أكبر أبناء والده الحاج أحمد الحاج ابراهيم في كنف والده الذي كان سيدا للعشيرة وإمامها وشيخها وزعيمها ، وهو يرى والده يمارس أعظم جهده من أجل أقربائه ووطنه ، خصوصا بعد أن سقطت البلاد تحت الإحتلال البريطاني عام 1917 , وما تبع ذلك من محاولات الإحتلال سلب الارض من اصحابها ، فكان ان تصدى لهذه الممارسات من اجل الحفاظ على الأرض والإنسان.
وكان قدر الشاب محفوظ ان يفقد إخوته من أمه في حادث إنهيار السكن عليهم ولكي يكون وحيدا مع والده حتى أسعفه الله بإخوة من والده بلغوا سبعة إخوة كانوا له السند والمعين فيما بعد.
تربى شيخنا ابا الوليد في حجر والده الذي حرص على ان يشركه في معرفة السيادة والمَشْيَخة وأصول التعامل الإجتماعي ، ورباه تربية دينية حفظ خلالها القرآن الكريم وسيرة الرسول والصحابة الأفاضل ، واهتم في دراسة التاريخ والجغرافيا وبطبيعة الحال الأدب العربي الذي نبغ فيه وكانت له العديد من المأثورات الأدبية ، والمنثورات البلاغية .
لم يقف والده عند هذا الحد بل أرسله الى مدرسة جامع الجزار في عكا ، والتي كانت كلية أزهرية ، درّس فيها عدد من الأساتذة الكبار الذين أصبح لهم شأن كبير بعد ذلك أمثال أحمد الشقيري الذي أصبح أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية ، والأستاذ المؤرخ الكبير أحمد زعيتر وغيرهم عليهم رحمة الله .
وقد أتقن شيخنا بالإضافة الى اللغة العربية ايضا اللغة الإنجليزية ، حيث حاور العديد من الصحفيين الذين قدموا الى بلدتنا ، للتعرف على وضعها الفريد في المنطقة.
وقد كانت دراسته في الجزار بين الاعوام 1927-1929 من القرن الماضي .
حرص رحمه الله كما حرص والده على أن يمارس حياته بشكل مستقل في بدايات حياته ، فدخل معترك الحياة الإجتماعية والإقتصادية ، واوكل له والده مهمة الحفاظ على الأرض ومقارعة الإنجليز من اجل إنجاز هذه المهمة المقدسة خصوصا والشعب الفلسطيني يناضل من اجل حقوقه التاريخية في فلسطين وفي ظل الهجمة الإستيطانية اليهودية ، وما احدثته الثورة الفلسطينية الكبرى 1936- 1939.
لقد ناضل شيخنا ابا الوليد من اجل الحفاظ على الهوية العربية الفلسطينية ، وكان لتواجده في يافا لفترة من الزمن وهو يعمل في التجارة، أثرا كبيرا في صقل شخصيته وتوسع معارفه ، ثم ازدادت مسؤولياته عندما تولى مشيخة عشيرة الكبها في برطعة وعين السهلة وطورة والعريان وخور صقر ، وحتى في الخارج ، وكان ان سقط الشِق الغربي منها تحت الإحتلال الصهيوني ، وبقي الشرقي منها تحت الحكم الأردني بموجب إتفاقية رودس ، فكانت بذلك العشيرة مقسومة الى قسمين.
كان قدره رحمه الله ان يستمر في مراعاة أمانة عشيرته في كل المناطق ، فتم التنسيق بين الحكم الأردني والحكم العسكري الإسرائيلي ان يكون محفوظ الحاج أحمد أبو الوليد ، هو ممثل العشيرة وراعيها اينما وقعت في المنطقتين ، وزادت اعباؤه بأعداد المهاجرين الذين هربوا من الداخل الفلسطيني مثل كفر قرع وإجزم وأم الزبنات وغيرها ، بالإضافة الى مراعاة المنفيين من بلدان اخرى مثل ام الفحم، الذين إعتنقوا أفكارا سياسية اخرى وكان لا بد من العناية بهم.
كانت برطعة في ذلك الزمان تعاني فقرا مدقعا وقلة الإمكانيات الإقتصادية والمعيشية الاخرى ، فكان لا بد من شيخ الكبها ابا الوليد أن يعمل جاهدا ليلا ونهارا من اجل تأمين لقمة العيش لهؤلاء الذين نزحوا من قراهم وبلداتهم المتاخمة لبلدات المُحتل .
برع شيخنا في العلاقات الإجتماعية واستطاع برفقة أقربائه من عين السهلة وبرطعة وبقية البلدان ان يعملوا على إنهاء الكثير من النزاعات الإجتماعية الدموية التي أرادها المحتل ان تكون سائدة بين ابناء الشعب الواحد بل ابناء العشيرة الواحدة ، بل وحتى البيت الواحد.
حنكته السياسية والإجتماعية رحمه الله ،نالت تقدير الصديق والعدو في آن واحد ، خصوصا تلك القدرة على إدارة مجتمع بمركزيتين للحكم ، وهنا نجد انه تم ذكره والإشارة اليه في أكثر من كتاب ، حيث تم ذكره في كتاب فلسطين تاريخ ونضال لمؤلفه نجيب الأحمد ، وفي مذكرات جلوب باشا قائد الجيش الأردني في ذلك الوقت ، وفي مذكرات موشيه ديان ، وفي ارشيف المراسلات في قيادة الثورة الفلسطينية الكبرى ، وكذلك في مذكرات عدد من قادة الجيش الأردني الذين عاصروه في ذلك الوقت.
خلال تلك الفترة تزوج زوجتين انجب من الأبناء ثمانية ومن البنات خمسة ، حرص رحمه الله على تعليم غالبيتهم ضمن إمكانياته المتاحة .
تنازل بعد ذلك عن منصب المختار ، الذي اصبح بعد ذلك منصبين ، أحدهما لأخيه في برطعة الغربية كامل الحاج أحمد ، والآخر لإبن عمه في برطعة الشرقية .
وفي نفس الوقت بقي رحمه الله يتمتع بنفوذ واسع داخل العشيرة وخارجها ، بل وبمرجعية إجتماعية مهمة ، حتى توفاه الله في 5/1/1995 ، مستسلما لقضاء الله ، ومقبلا عليه بضمير نقي وذمة بريئة من الظلم ، وتاريخ من العدالة والعدل والنضال الوطني المشرف.
هذه نبذة سريعة عن شخصية من شخصيات الكبها ، التي سطّرت مجدا و قدوة للأجيال على مرّ التاريخ .
رحم الله جدي محفوظ (أبا الوليد) وأسكنه فسيح جنانه.


05/01/2022 09:58