
عندما بدأت المفاوضات السرية التمهيدية بين منظمة التحرير الفلسطينية والقيادات الأمريكية والأوروبية ، أوعز أبوعمار إلى تشكيل عدة قنوات للإتصال مع العدو مباشرة أو مع الأمريكان والأوروبيين كطرف ثالث، يمكن أن يمهد لعقد لقاء مباشر مع العدو الصهيوني، وبالفعل تم تشكيل قنوات بين جس النبض والاتصال المباشر وغير المباشر ، وكان من أشهر القنوات تلك التي كانت علنية في مدريد حيث كان الوفد الفلسطيني تحت المظلة الأردنية ،بقيادة د.حيدر عبد الشافي على رأس الوفد الفلسطيني ، وهو بالمناسبة كان من الوطنيين الشرفاء الذين كانوا يرفضون التنازل ولو قيد انملة عن اي حق من حقوق الشعب الفلسطيني والذي مات مهموما بحجم الخديعة التي تعرض لها ، ود. عبد السلام المجالي على رأس الوفد الأردني ، وهذه القناة كانت تحت بصر اجهزة الإعلام المختلفة وتحت الرعاية الأمريكية الروسية المشتركة وحضور خمسين ممثلا لحكومات وهيئات دولية وسياسية .ويعتبر لقاء مدريد من النتائج المباشرة أو غير المباشرة لحرب الخليج الأولى .
القنوات الأخرى التي توزعت بين الدول الأوروبية والإسكندنافية، وكان منها تلك التي تولى رئاستها عصام السرطاوي والذي تم إغتياله فيما بعد.
أما القناة الأهم والتي صنعت أوسلو بعد ذلك ، هي تلك التي كان على رأسها السيد محمود عباس (أبومازن ) والذي أصبح رئيسا للسلطة الفلسطينية بعد اغتيال ابو عمار رحمه الله ، وهي السلطة التي حددت معالمها اتفاقية أوسلو .
لقاءات أبومازن أدت إلى الإتفاق على عقد لقاء مباشر بين وفد منظمة التحرير الفلسطينية ، ووفد الحكومة الإسرائيلية ، من أجل الوصول إلى سلام عادل وشامل كما إدعى أعضاء الوفود المشاركة في ذلك اللقاء السري في أوسلو .
من عجائب هذه المفاوضات كما يقول الإسرائيليون في مذكراتهم وعلى رأسهم شمعون بيريز ، أن الوفد الفلسطيني لم يكن يحمل خططا مفصلة عما يريدون ، ولكن افكار وتصورت عامة وكأنهم آتون إلى نزهة وترفيه عن النفس ، ويضرب بيريز مثلا ، أن الوفد الفلسطيني كان لا يجد غضاضة في تناول الطعام المشترك ، بل إيقاف المفاوضات ودعوة نظراءهم اليهود إلى الذهاب للسباحة ، أو أي طريقة ترفيه آخرى .
الوفد الفلسطيني كان في أوسلو لا يفاوض عدوا له ، بل كان يفاوض ، وكأنه يتحدث عن بيع محصول مشترك ، أو تسوية جدار مشترك أو ما شابه ذلك .
وبالتالي تم التوقيع على أسقط اتفاقية ربما في التاريخ ، بإستثناء اتفاقية الملك الكامل الأيوبي مع إمبراطور المانيا على تسليم القدس للألمان، مقابل نصرة الأخيرة للكامل ضد أبناء عمه الطامعين في عرشه
وكذلك اتفاقيات الممالك في بلاد الشام التي تفرقت بعد موت نور الدين زنكي ، مع الصليبيين، وتسليمهم العديد من أملاك المسلمين.
اقول اتفاقية أوسلو التي أسقطت كل المعايير الوطنية والمحاذير الشرعية والقومية على حد سواء ، جعلتنا نُسقط رؤوسنا على الأرض لحجم الذلة التي اسقطتنا به قيادة أوسلو وحتى وقتنا الحاضر .
في المقابل نجد أن المقاومة الفيتنامية، التي سددت ضربات موجعة طوال سنوات للولايات المتحدة الأمريكية ، التي كانت تحتل الأراضي الفيتنامية ، قد أرغمت أمريكا على طلب التفاوض مع المقاومة الفيتنامية من أجل إيجاد حل للقضية الفيتنامية ، وبالفعل وجه هنري كيسنجر طلب عقد مفاوضات مع المقاومة الفيتنامية ، والتي قبلت على أن يكون ذلك في باريس ، وتم الإتفاق على ذلك ، ووصل الوفد المقاوم الفيتنامي إلى باريس ، وتم إخباره أن الإدارة الأمريكية أوصت باستقبال الضيوف في فندق من خمسة نجوم ، إلا أن الوفد المكون من خمسة مفاوضين ، وليس من (خمسة عشر مفاوضا كما هو حال الوفد الفلسطيني) ،رفض النزول إلا في مبنى السفارة الفيتنامية داخل باريس ، وبعد أن تم له ذلك ، ارسل الأمريكان كروت دعوى من أجل تناول عشاء مشترك ، إلا أن الوفد الفيتنامي ، رفض بقوة مثل هذه الدعوة ، وقال كيف اتناول طعام العشاء مع عدوي الي قتل شعبي وحرق ارضي واغتصب النساء الفيتامينات .
بينما الوفد الفلسطيني قبل من عدوه الذي حرق أرضه وشتت شعبه وأمتهن كرامة نسائه، وقام بمذابح كفر قاسم ودير ياسين والطنطورة وحيفا ويافا وقبية وجنين ونابلس والسموع، وصبرا وشاتيلا التي نعيش ذكراها في هذه الأيام حيث تسبب بمقتل أكثر من ثلاثة الاف من النساء الحوامل والشيوخ والأطفال وكان أكثرهم من الفلسطينيين ......الخ
اقول قَبِل هذا الوفد بالرغم من هذا كله ، بطاقات VIP، من أجل الشراء الحر من محلات تحتوي على ماركات عالمية تقع في شوارع مهمة في تل أبيب كشارع ديزنجوف ، وما شابهه.
وفي النتيجة بنوا علاقات شخصية مع الإسرائيليين ، الذين كانوا يحملون معلومات تفصيلية عن كل عضو من الوفد الفلسطيني ، من حيث شهواته ورغباته، بل وحتى رغبات زوجاتهم ومي وميولهن، ونوعية الموسيقى التي يرغبون بسماعها، وهو وفد تم عرض أسماء أعضائه على أجهزة الأمن الإسرائيلي فوافقت على من أرادت وأبعدت من أرادت.
هذا لم يكن مقبولا في وفد مقاوم مثل الوفد الفيتنامي ، الذي لم تستطع المخابرات الأمريكية أن تُخمن من هم أعضاء الوفد الفيتنامي المفاوض حتى لحظة اللقاء في باريس ، وبالتالي لا توجد ملفات خاصة أمريكية تحمل معلومات عنهم ، وبالتالي تم ارغام المحتل الأمريكي على الخروج من فيتنام وهو صاغر، بل لا زال العديد من الأسرى الأمريكان غير معروف مصيرهم حتى هذه اللحظة.
وفي هذه اللحظة نقول أين الثرى من الثريا ، والمستور أعظم ، أجارنا الله من الأعظم .
استبشروا خيرا
لاغالب إلا الله.
17/09/2023 10:20