فى الوقت الذى تتعالي فى الأصوات فى عدد من دول العالم من أجل التنديد بمزاعم إبادة الأرمن إبان الحرب العالمية الأولي، نشرت وكالة الأناضول تقريرا تحليليا لكتاب "الموت والنفي" الذي يوثق المذابح وحملات التطهير العرقي التي تعرض لها الأتراك خلال سقوط الدولة العثمانية.



ولفت الكتاب إلي أنه رغم السعي الحثيث الذي تبديه الدول الغربية لإبراز المزاعم الأرمنية بخصوص أحداث 1915، إلا أنها تتجاهل المجازر التي تعرض لها الملايين من المسلمين، فضلا عن ملايين المُهجّرين في فترة انهيار الدولة العثمانية، انطلاقًا من البلقان وحتى القوقاز.وسلط "الموت والنفي.. عملية تطهير ضد المسلمين العثمانيين"، للمؤلف "جستن ماكارثي"، الضوء على المجازر وعمليات التهجير التي تعرض لها المسلمون بين عامي 1821 و1922 في البلقان والقوقاز، والقرم، ومنطقة الأناضول.

وذكر المؤرخ والمختص في علم السكان بجامعة "لويس فيل الأمريكية ماكارثي -في كتابه الصادر عام 1995- أن المسلمين كانوا يشكلون الأغلبية في مناطق، وأقلية في مناطق أخرى في أرجاء الدولة العثمانية، مشيرًا أن أكثر من 5 ملايين مسلم تعرضوا للقتل بين 1821 و1922، فضلًا عن وفاة جزء من المُهجّرين والنازحيين، على الطرقات بسبب الجوع والمرض.

ويقول ماكارثي، إن أولى المجازر في تلك الحقبة ارتكبها اليونانيون الذين تمردوا على الدولة العثمانية، حيث قامت مجموعات قومية مسلحة بارتكاب مجازر بحق أتراك تراكيا الغربية، عام 1821، وراح ضحيتها أكثر من 25 ألف شخص، حيث كانوا يعتبرون الأتراك في المنطقة عائقًا أمام تأسيس دولة يونانية مستقلة تعود لليونانيين.

وتابع ماكارثي أن المجازر التي تعرض لها المسلمون على يد اليونانيين، شكلت نموذجًا للمجازر اللاحقة خلال عمليات التمرد في البلقان، من أجل تطهير المنطقة من السكان الأتراك والاستقلال عن الدولة العثمانية.

وأشار المؤلف إلى التمدد الروسي في القوقاز، والمجازر وعمليات النفي بحق المسلمين في تلك الفترة، مشيرًا أنه مع سيطرة الروس على القوقاز عام 1864 خضع المسلمون في المنطقة لعمليات تهجير واسعة.

وكشف الكاتب تعرض تتار القرم، والنوغاي، إلى التهجير من قبل الروس، لافتًا أن 300 ألف من التتار على الأقل اضطروا لترك أراضيهم، حيث خيرهم الروس بين النفي إلى المناطق الداخلية في روسيا، أو الهجرة إلى أراضي الدولة العثمانية.

وألمخ الكاتب إلى أن الروس توسعوا في الولايات الشرقية للدولة العثمانية والقوقاز، من خلال المجازر بحق المسلمين، بين 1877 و1914، وأن الانفصاليين الأرمن حاولوا الاستيلاء على الأراضي التي تم دحر الروس منها.

واستعرض الكتاب عمليات التمرد الفاشلة للأرمن في بعض المناطق، والمجازر التي ارتكبوها، مشيرًا إلى نشوب حرب بين الشعوب، وليس الجيوش لاحقًا في الأناضول عام 1895، والقوقاز عام 1905، ومع حلول 1910 ظهرت استقطابات بين الأرمن والمسلمين، أدت إلى كوارث متبادلة، على حد تعبيره.المؤرخ أشار إلى مقتل نحو 27% من المسلمين العثمانيين في البلقان، التي تغيرت فيها التركيبة السكانية تمامًا بحلول عام 1911، وبات المسلمون أقلية مع الخسائر التي تكبدوها في حروب البلقان.وتطرق الكاتب إلى الاحتلال اليوناني لمنطقة غرب الأناضول، مبينًا أن مليون و246 ألف مسلم فقدوا حياتهم في المنطقة بدءًا من عام 1912، وحتى نهاية حرب الاستقلال عام 1922.

وأكد ماكارثي أن الوحدة العرقية أو الدينية في كثير من الدول الممتدة من صربيا وحتى القوقاز، تمت على حساب المسلمين الذين تعرضوا للقتل والنفي، موضحًا أن الكثير من كتب التاريخ تتجاهل تلك الأحداث التي جرت في البلقان والقوقاز رغم الحقائق التاريخية، وتركز على قيام الحكومة العثمانية بتهجير الأرمن (إثر تعاون العصابات الأرمنية مع قوات الاحتلال الروسي، وارتكابها مجازر بحق المسلمين في شرقي الأناضول).

تعاون القوميون الأرمن، مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914.وعندما احتل الجيش الروسي، شرقي الأناضول، لقي دعمًا كبيرًا من المتطوعين الأرمن العثمانيين والروس، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية، وانضموا إلى الجيش الروسي.

وبينما كانت الوحدات العسكرية الأرمنية، تعطل طرق امدادات الجيش العثماني اللوجستية، وتعيق تقدمه، عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلوها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي.

وسعيًا منها لوضع حد لتلك التطورات، حاولت الحكومة العثمانية، إقناع ممثلي الأرمن وقادة الرأي لديهم، إلا أنها لم تنجح في ذلك، ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة في 24 أبريل من عام 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، واعتقال ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة. واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء "الإبادة العرقية" المزعومة، في كل عام.

وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 مايو من عام 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية.

ومع أن الحكومة العثمانية، خططت لتوفير الاحتياجات الإنسانية للمهجّرين، إلا أن عددًا كبيرًا من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية للانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة.