الجدل الفوضوي والمشادات الكلامية التي شهدتها الساحة السياسية في المجتمع العربي مؤخرًا حول قانون القومية بشكل عام و"ام المظاهرات" بشكل خاص، اظهرت بوضوح تام عورة هذا المجتمع وكشفت هشاشته بدءًا من راس الهرم حتى القاعدة، ودلّت على انعدام ثقافة الحوار وعدم احترام الراي المغايّر. 

وهذا موضوع شائك وواسع يتطلب وقفة طويلة للتامل وبحث عميق وبتروٍ عن اسبابه، والعمل سريعًا على وقف ترديه نحو الهاوية، وايجاد سبل الخروج الآمنة من هذه الازمة وباقل ضرر وخسائر، ولكن لا بد من التوقف امام وسائل النضال التي تم اتباعها حتى الآن وقياس نجاعتها وفق النتائج التي حققتها، اي القيام بحساب جذري للنفس، واقرب مثال على ذلك مظاهرة تل ابيب الاخيرة والتي اذا ما قورنت بمظاهرة الدروز فانها كانت فاشلة بكل المعايير حيث انها لم ترتقِ للمستوى المطلوب ولم تبلغ الهدف المنشود وحتى انها لم تفِ بتطلعات المنظمين. فالتصريحات التي اطلقتها القيادة هنا وهناك لن تغطي الحقيقة فالمظاهرة لم تكن " جبّارة" ولم تكن "ام المظاهرات" كما يحلو للبعض تسميتها.

عدد المشاركين الضئيل لم ياتِ من العبث فلو قام كل عضو كنيست ورئيس سلطة محلية بتجنيد الف شخص من انصاره لاكتظت ساحة رابين التي لا تتسع لاكثر من 25 الف ولازدحمت مداخل تل ابيب بالقادمين لتلبية النداء.

هذا لم بحدث.. لماذا؟ 

قد تكون الاجابة على هذا التساؤل هو حالة اللامبالاة التي نعيشها، ولكن ألآ يدل هذا على انعدام ثقة الجمهور بقيادته؟
ولا بد من سؤال آخر: لماذا لم تتسلم القائمة المشتركة المنتخبة والممثلة الشرعية للمجتمع العربي قانونيًا، زمام الامور والعمل على تعبئة الجمهور معنويًا، وتحمل ما يتبع ذلك من تكاليف مادية، وتركت هذا الامر بيد لجنة المتابعة اللآمنتخبة وهي ليست جسمًا رسميًا معترفًا به من قبل المؤسسة الاسرائيلية؟ وهل تكفي الشعارات لاخراج الجمهور ؟

ولا بد من الوقوف هنيهة واحدة لاهمية دور المثقفين في مثل هذه الازمات ولم يبرز دورهم كما هو مطلوب ولولا وجود الفيسبوك ونشر صورهم على حساباتهم الشخصية لما علم الجمهور بوجودهم هناك.. وللاسف فان البعض منهم صار اجيرًا يعمل بوقًا لدى هذا السياسي او ذاك او لدى بعض ذوي رؤوس الاموال المتنفذين واالمؤثرين على المشهد السياسي.

لماذا لم يتم استعمال النموذج الدرزي وتطبيقه لانجاح "ام المظاهرات"؟

وكأن الفشل باستقدام عشرات الالاف لساحة رابين لا يكفي، فظهرت بشدّة قضية رفع العلم الفلسطيني اثناء المظاهرة وحظيّت بالاهتمام الاعلامي محليًا وعالميًا ووفرت لنتانياهو وزمرته مادة دسمة جعلتهم يخرجون ضاحكين من جحورهم لمهاجمة المواطنين العرب، وحتى ان هذا الامر ردع واحرج بعض اليهود المناهضين للقانون والمتعاطفين مع العرب.

والسؤال لماذا تم رفع العلم الفلسطيني رغم القرار بعدم رفعه في هذه المظاهره؟ هل كانت هناك مؤامرة لاحراج المتظاهرين وتوفير دافع الهجوم لليمين الاسرائيلي؟

وخلاصة الحديث ان القيادة الشجاعة والحكيمة تقوم باستخلاص العبر ولا ترتكب جريمة اذا تحلّت بالشجاعة واعترفت بالخطا والفشل، والخروج الى الجمهور لتحكي الحقيقة بدون تردد ولكن ما حدث على ارض الواقع كان مختلفًا الاستمرار بالنهج ذاته واطلاق تصريحات وشعارات فارغة المضمون وانكار الواقع وكأن الجمهور ساذج لا يملك القدرة على التمييز بين النجاح والفشل..

لقد آن الاوان لاتباع وسائل مغايّرة في هذا الوقت الصعب من صراع البقاء، ودفن شعار المطالبة بالمساواة واستجداء عطف اليسار الاسرائيلي الى اجل غير مسمى، واختيار طريق الحوار العقلاني العميق والجدّري مع المؤسسة الحاكمة، وذلك حرصًا على البقاء..